رغم تعهدات الحكومة المصرية المتكررة بتحقيق الإصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات، وجدت القاهرة نفسها مجددًا مضطرة للجوء إلى الدعم الخارجي، حيث وافق الاتحاد الأوروبي مؤخرًا على تقديم أربعة مليارات يورو لمصر في صورة قروض ميسرة. هذا الدعم الأوروبي، الذي يأتي في ظل تصاعد الأزمات المالية وارتفاع الديون وتراجع مؤشرات الاقتصاد الكلي، يطرح تساؤلات جادة حول مدى فعالية السياسات الحكومية وقدرتها على إدارة الأزمات دون الاعتماد المستمر على القروض والمساعدات الخارجية. فهل باتت مصر رهينة لسياسات اقتصادية قصيرة الأجل تفتقر إلى الاستدامة؟ وهل ستنجح الحكومة في استثمار هذه المساعدات لتحقيق إصلاح حقيقي أم أن الأزمة ستتفاقم مع الوقت؟
وافق الاتحاد الأوروبي على منح مصر مساعدة مالية بقيمة أربعة مليارات يورو، بعد اتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبي، وذلك لدعم الاقتصاد المصري وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
المساعدة المالية تأتي على شكل قروض ميسرة ضمن إطار “المساعدات المالية الكلية” التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للدول التي تواجه صعوبات في ميزان المدفوعات، وتكمل بذلك دعم صندوق النقد الدولي لمصر. صرف أي شريحة من هذه المساعدات سيكون مشروطًا بتحقيق مصر تقدمًا مرضيًا في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعه صندوق النقد الدولي للفترة من 2024 إلى 2027، بالإضافة إلى تدابير سياسية أخرى يتم الاتفاق عليها بين المفوضية الأوروبية والحكومة المصرية. القرض سيصرف على عدة دفعات، مع فترة سداد تمتد حتى 35 عامًا، ما يخفف من الضغوط التمويلية على مصر في الأجلين المتوسط والطويل. وكانت مصر قد حصلت على شريحة أولى بقيمة مليار يورو في نهاية عام 2024 ضمن نفس إطار الشراكة.
الاتفاق الحالي يأتي ضمن شراكة استراتيجية أوسع تم توقيعها في مارس 2024 بين الاتحاد الأوروبي ومصر، بقيمة إجمالية تبلغ 7.4 مليار يورو، منها 5 مليارات يورو مساعدات مالية كلية. وتهدف الشراكة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، وتدعيم استقرار مصر، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية وتزايد أعداد اللاجئين، ودور مصر المحوري في الحد من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
المساعدات الأوروبية ستساعد مصر على تغطية جزء من فجوة التمويل الخارجي، وتخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات، خاصة مع التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري من ارتفاع فاتورة الاستيراد وتراجع عائدات بعض القطاعات الحيوية. ربط صرف الدفعات بتحقيق تقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي يهدف إلى ضمان استدامة الدعم وفاعلية الإصلاحات، بما في ذلك تحسين بيئة الاستثمار، وإصلاح المالية العامة، وتعزيز الشفافية. ويرى محللون أن الشراكة الأوروبية مع مصر تعكس أهمية القاهرة الجيوسياسية ودورها في استقرار المنطقة، إلى جانب التعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
المساعدة المالية الأوروبية الجديدة لمصر تمثل دفعة قوية للاقتصاد المصري في مرحلة حرجة، وتؤكد أهمية الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وبروكسل. نجاح مصر في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي سيحدد مدى استفادتها من كامل حزمة الدعم، ويعزز من فرص استقرار الاقتصاد الكلي وجذب الاستثمارات الأجنبية مستقبلًا.











