بعثة الأمم المتحدة تطرح 4 خيارات لحل أزمة الانتخابات الليبية وتطلق مشاورات واسعة
أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يوم الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025 عن توصيات اللجنة الاستشارية التي شكلتها لمعالجة القضايا الخلافية المعيقة لإجراء الانتخابات الليبية المتعثرة منذ سنوات. وطرحت البعثة أربعة خيارات رئيسية يمكن أن تشكل خارطة طريق لإجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية، في محاولة لكسر حالة الجمود السياسي التي تعيشها البلاد منذ 2021.
الخيارات الأربعة لإخراج ليبيا من الأزمة الانتخابية
قدمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر تقرير اللجنة الاستشارية أربعة مسارات محتملة لمعالجة الأزمة الانتخابية الليبية وتجاوز الخلافات القائمة بين الأطراف المختلفة. تتمثل هذه الخيارات في:
1. إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة
يقترح هذا الخيار تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في آن واحد، مما قد يساعد في توحيد الجهود وتقليص الفترة الزمنية اللازمة لاستكمال العملية الانتخابية. يعتبر هذا النهج الأكثر اختصارًا للوقت، لكنه يتطلب تنسيقًا عاليًا وموارد كبيرة لضمان نجاحه.
2. إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً ثم اعتماد دستور دائم
يركز هذا المسار على انتخاب برلمان جديد أولاً، ليكون له دور في صياغة واعتماد دستور دائم للبلاد. يمنح هذا الخيار الأولوية لتأسيس سلطة تشريعية منتخبة قبل انتخاب رئيس، مما قد يساهم في تعزيز الشرعية الديمقراطية للعملية الدستورية اللاحقة.
3. اعتماد دستور دائم قبل الانتخابات
على عكس الخيار السابق، يقترح هذا المسار إقرار دستور دائم للبلاد كخطوة أولى قبل إجراء أي انتخابات. يهدف هذا النهج إلى وضع إطار دستوري واضح يحدد شكل الدولة ونظام الحكم قبل الدخول في أي استحقاق انتخابي، مما قد يمنع النزاعات المستقبلية حول صلاحيات المؤسسات المنتخبة.
4. إنشاء لجنة حوار سياسي وفق الاتفاق السياسي الليبي
يتضمن الخيار الرابع تشكيل لجنة حوار سياسي استنادًا إلى الاتفاق السياسي الليبي، تكون مهمتها وضع اللمسات الأخيرة على القوانين الانتخابية والسلطة التنفيذية والدستور الدائم. يعيد هذا المسار إحياء روح اتفاق الصخيرات مع تحديثه ليتناسب مع الواقع الراهن.
اللجنة الاستشارية: جهود متواصلة لتقديم حلول ليبية
تشكلت اللجنة الاستشارية من 20 شخصية ليبية من ذوي الخبرة في القضايا القانونية والدستورية والانتخابية، واجتمعت أكثر من 20 مرة في كل من طرابلس وبنغازي على مدار ثلاثة أشهر. وقد عكفت هذه اللجنة على دراسة القوانين الانتخابية والقواعد الدستورية الليبية، بما في ذلك التعديل الدستوري رقم 13 والقانونين 27 و28 (2023) لانتخاب مجلس الأمة والرئيس.
كما أجرت اللجنة جلستين تشاوريتين مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وأعضاء لجنة 6+6 التي صاغت القوانين الانتخابية الحالية عام 2023. تأتي هذه الجهود ضمن مبادرة أممية متعددة المسارات قدمتها البعثة لمجلس الأمن الدولي أواخر 2024.
معالجة النقاط الخلافية في الإطار الانتخابي
يقترح تقرير اللجنة الاستشارية توصيات وخيارات لمعالجة عدد من النقاط الخلافية في الإطار الانتخابي الراهن، ومن أبرزها:
- الربط بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية
- معايير أهلية المترشحين
- إلزامية إجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية
- تشكيل حكومة جديدة كشرط لإجراء الانتخابات
- آلية الطعون الانتخابية
- تمثيل المرأة والمكونات الثقافية
- حقوق التصويت لحاملي الأرقام الإدارية
- توزيع المقاعد
مشاورات واسعة للوصول إلى توافق وطني
تنوي بعثة الأمم المتحدة عرض مخرجات اللجنة الاستشارية على عموم الليبيين لأخذ ملاحظاتهم، وذلك من خلال إجراء استطلاعات رأي واستشارات لفئات أوسع من المجتمع. وستشمل هذه المشاورات الأحزاب السياسية والشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية والوجهاء وقادة المجتمع، بهدف ضمان مشاركة جميع أطياف المجتمع الليبي في هذه العملية.
وأنشأت البعثة صفحة إلكترونية تتيح للجمهور الوصول إلى مزيد من المعلومات حول توصيات اللجنة الاستشارية، بما في ذلك التقرير الموجز. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الشفافية وضمان إطلاع المواطنين على مسارات الحل المقترحة.
تصريحات الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة
اعتبرت هانا تيتيه، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، أن هذا التقرير “يمثل نقطة انطلاق لحوار وطني شامل حول أفضل السبل لتجاوز الانسداد السياسي الذي حال دون إجراء الانتخابات منذ عام 2021، مما أدى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار على الصعيدين الاقتصادي والأمني”.
وأضافت تيتيه أنه “سيتم تحديد المسار النهائي للمضي قدما من خلال الحوار مع الليبيين، بما يضمن مراعاة جميع وجهات النظر”، مؤكدة أنه “من الضروري ألا يكون هذا المسار محصورا بالقيادة الليبية فحسب بل أن يحظى أيضا بدعم ليبي أوسع”.
كما شددت الممثلة الخاصة على ضرورة “أن تقترن الإصلاحات القانونية بالتزام سياسي حقيقي” وحثت جميع الأطراف “على اغتنام هذه الفرصة للمشاركة البناءة، وبروح من التوافق، مع وضع احتياجات الشعب الليبي في المقام الأول”.
خلفية الأزمة الانتخابية في ليبيا
تعاني ليبيا من أزمة سياسية مستمرة منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وتفاقمت بعد انقسام البلاد في 2014 إلى طرفين متناحرين، أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. وتشكلت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بدعم من الأمم المتحدة في 2021 بهدف إجراء انتخابات قبل نهاية ذلك العام، لكن هذه الجهود تعثرت بسبب خلافات بين الأطراف السياسية.
ومن الجدير بالذكر أن ليبيا شهدت في نوفمبر 2024 أول استحقاق انتخابي منذ أكثر من عشر سنوات، وهو الانتخابات البلدية في 58 بلدية من أصل 143، على أن تلتحق بها المجموعة الثانية المكونة من 59 بلدية مطلع العام التالي. وقد اعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة هذه الانتخابات “يوماً تاريخياً”، مؤكداً أنها خطوة تمهد للانتخابات البرلمانية والرئاسية.
تحديات الطريق نحو الاستقرار السياسي
رغم وجود هذه المبادرات والمقترحات، لا تزال ليبيا تواجه تحديات كبيرة في طريقها نحو الاستقرار السياسي. من أبرزها عدم اعتراف مجلس النواب، الذي يتخذ من بنغازي مقراً، بشرعية حكومة الوحدة الوطنية. كما أن الانقسامات السياسية والمؤسساتية المستمرة تعقد جهود التوصل إلى توافق وطني.
فرصة جديدة للخروج من المأزق
تمثل مبادرة بعثة الأمم المتحدة وتقرير اللجنة الاستشارية فرصة جديدة للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه ليبيا منذ سنوات. ويبقى نجاح هذه المبادرة رهيناً بمدى استعداد الأطراف الليبية للتوافق وتغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات الفئوية والمناطقية.
يأمل الليبيون أن تسفر هذه الجهود الأممية عن نتائج ملموسة تنهي المرحلة الانتقالية وتعيد الاستقرار للبلاد، وتحقق تطلعات الشعب الليبي في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.










