تشهد المناطق الساحلية في سوريا، لا سيما محافظتا طرطوس وحمص، تصاعدا مثيرا للقلق في وتيرة اختطاف رجال الدين المنتمين للطائفة العلوية، في ظل اتهامات متزايدة توجه إلى سلطات أحمد الشرع بتنفيذ حملات تصفية واستهداف لأبناء الطائفة، بما في ذلك شخصيات دينية بارزة معروفة بدورها في السلم الأهلي والحوار المجتمعي.
حادثة الشيخ صالح سعود: اختطاف غامض واستياء محلي
أحدث هذه الحوادث تمثل في اختطاف الشيخ صالح سعود، نائب إمام مسجد علي بن أبي طالب في حي الجامع بمدينة طرطوس، من قبل جهة مجهولة يعتقد أنها مرتبطة بالأمن المحلي، دون مذكرة اعتقال أو تهم معلنة. وتشير المعلومات إلى أن استدراجه تم بتنسيق بين شخص يدعى (م.ز) من قرية البرانية وجهة إعلامية محلية.
الشيخ سعود، الذي يعرف بكونه رجل دين معتدلا ومنخرطا في جهود التقريب الطائفي والسلم الأهلي، يعد من الأصوات الوازنة في المحافظة. وقد أثارت حادثة اختطافه موجة غضب شعبي واسع، رافقها استنكار من جهات دينية واجتماعية اعتبرت الواقعة تجاوزا خطيرا على الحريات الدينية والمدنية.
حوادث مشابهة: نمط ممنهج
قبل أيام من هذه الواقعة، تم اختطاف الشيخ بشار مقداد (أبو يوشع)، إمام مسجد في قرية “تبة حنا” بريف تلكلخ في حمص، بعد استدعائه من قبل مدير المنطقة بحجة “فنجان قهوة”، وهي عبارة دارجة في سوريا تشير إلى استدعاء أمني غير رسمي. منذ ذلك اليوم، فقد أثر الشيخ المقداد، الذي يعرف بدوره في الوساطة والمصالحة المحلية، ولم يصدر أي توضيح رسمي حول مكان احتجازه أو أسباب استدعائه.
كما شهدت قرية رأس العين بريف جبلة حادثة اقتحام عنيف نفذته قوات رديفة لوزارتي الدفاع والداخلية بحق منزل الشيخ صالح المنصور، أحد أبرز الشخصيات الدينية في المنطقة، وتم اقتياده بالقوة إلى جهة مجهولة، بعد الاعتداء على أسرته ومحاولة سرقة ممتلكاته، وسط مقاومة أهلية حالت دون مزيد من الانتهاكات.
استهداف ممنهج أم تصفية سياسية؟
يرى مراقبون وناشطون أن تكرار مثل هذه الحوادث في فترة زمنية قصيرة يعكس نمطا ممنهجا من الاستهداف المنظم لرجال الدين العلويين، لا سيما أولئك الذين يتمتعون بتأثير اجتماعي أو يعارضون سياسات النظام أو سلوكيات بعض الفصائل الأمنية. ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس تمر به البلاد، حيث تتزايد التوترات بين سلطات الأمر الواقع وبعض المكونات المحلية، في ظل انعدام الشفافية وتنامي القبضة الأمنية.
المرصد السوري يحذر من تهديد السلم الأهلي
في هذا السياق، عبر المرصد السوري لحقوق الإنسان عن قلقه الشديد من الانتهاكات الأخيرة، مؤكدا أن عمليات الاعتقال القسري والاختطاف دون مذكرات قانونية تقوض الاستقرار المجتمعي، وتضرب أي جهود لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والسلطات.
دعوات للتحقيق والمحاسبة
دعت شخصيات دينية واجتماعية وحقوقية إلى فتح تحقيق فوري ومستقل في جميع حوادث اختطاف رجال الدين، ومحاسبة الجهات المتورطة، سواء كانت رسمية أو شبه رسمية. كما طالبت بوقف التهديدات التي تطال النسيج الطائفي، محذرة من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى تفكك خطير في المجتمعات المحلية.
تكشف هذه التطورات الخطيرة عن بيئة أمنية مضطربة، يسودها التضييق على الشخصيات الدينية المستقلة، وسط خوف حقيقي من تحويل المناطق الساحلية إلى بؤر قمع جديدة، حتى ضد أبناء الطائفة ذاتها التي كان ينظر إليها لسنوات على أنها الحاضنة التقليدية للنظام. استمرار هذا النهج دون محاسبة أو مساءلة قد يفاقم من الانقسام المجتمعي، ويدفع بالمزيد من الأصوات المعتدلة نحو الصمت أو المنفى.










