إعفاء الألبان الأمريكية من شهادة الحلال.. قرار حكومي يثير غضب الشارع ويهدد ثقة المستهلك
في خطوة أثارت موجة واسعة من الجدل والغضب الشعبي، أعلنت الحكومة المصرية إعفاء منتجات الألبان الأميركية ومشتقاتها من شرط الحصول على شهادة الحلال حتى نهاية عام 2025، مع إعفاء هذه المنتجات من دفع أي رسوم متعلقة بذلك خلال الفترة نفسها، على أن تفرض رسوم باهظة بدءًا من عام 2026. هذا القرار يأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث يعاني المواطن المصري من أزمات اقتصادية متتالية وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، ليجد نفسه اليوم أمام تهديد جديد يمس هويته الدينية وأمنه الغذائي معًا.
تهاون حكومي في الضوابط الشرعية
شهادة الحلال ليست مجرد إجراء روتيني، بل تمثل ضمانة أساسية لالتزام المنتجات الغذائية بالمعايير الإسلامية منذ لحظة الإنتاج وحتى وصولها إلى المستهلك. إلغاء هذا الشرط، ولو بشكل مؤقت، يعني فتح الباب أمام دخول منتجات مجهولة المصدر الشرعي إلى موائد المصريين، وهو ما يثير تساؤلات خطيرة حول مدى التزام الحكومة بحماية الثوابت الدينية والاجتماعية، خاصة في ظل ضعف الرقابة وغياب الشفافية.
مبررات واهية… والمستهلك هو الضحية
الحكومة تبرر قرارها بالرغبة في تخفيض الأسعار وتسهيل الاستيراد، لكن التجارب السابقة تؤكد أن المستفيد الأكبر من هذه السياسات هم كبار المستوردين والشركات الأجنبية، وليس المواطن البسيط الذي يظل يدفع ثمن كل قرار حكومي من قوته اليومي وصحته الدينية. فهل يعقل أن يكون تخفيض الأسعار على حساب الضوابط الشرعية التي تمثل خط الدفاع الأول عن هوية المجتمع وأمنه الغذائي؟
فساد مستشري وصفقات مشبوهة
لا يمكن فصل هذا القرار عن سياق الفساد المتجذر في مؤسسات الدولة، حيث تدار الصفقات الكبرى بعيدًا عن أعين الرقابة، وتمنح الامتيازات للشركات الأجنبية والمحلية ذات النفوذ على حساب الشفافية والمصلحة العامة. مصر تراجعت إلى مراتب متدنية في مؤشرات الشفافية الدولية، مع تصاعد الانتقادات حول إدارة الثروات الوطنية والصفقات التي تتم خلف الأبواب المغلقة، بينما يعاني المواطن من الغلاء وتدني مستوى المعيشة.
الصندوق السيادي المصري، الذي يدير أصول الدولة بلا رقابة حقيقية، أصبح أداة لخصخصة الثروات وبيعها بأبخس الأثمان، في حين تتعرض الأجهزة الرقابية للتهميش، وتلاحق الأصوات التي تكشف الفساد. كل ذلك يحدث بينما تتكرر الوعود الحكومية بتحسين الأوضاع وجذب الاستثمارات، دون أي أثر ملموس على حياة الناس.
ثروات البلاد تهدر… وكرامة المواطن في مهب الريح
سياسات الحكومة في ملف الغذاء والاستيراد لم تؤدِ سوى إلى مزيد من إهدار الثروات الوطنية وتفاقم الديون وتراجع مستويات المعيشة. عمليات الخصخصة تتم دون شفافية، وتدار موارد البلاد من قمح ومواد غذائية عبر الإسناد المباشر بلا رقابة، بينما يستفيد كبار المسؤولين من هذه الصفقات على حساب الشعب.
النتيجة أن المواطن المصري يقف اليوم أمام خيارين أحلاهما مر: إما قبول طعام قد لا يلتزم بالضوابط الشرعية، أو الاستمرار في دفع أسعار متصاعدة لسلع أساسية في ظل غياب الحماية الحقيقية لمصالحه الدينية والاقتصادية.
هل تنخفض الأسعار فعلاً؟
تروج الحكومة أن إعفاء منتجات الألبان الأميركية من شهادة الحلال سيؤدي إلى خفض الأسعار، لكن الواقع يؤكد أن مثل هذه القرارات غالبًا ما تصب في مصلحة الشركات الكبرى دون أن يشعر المواطن بأي تحسن حقيقي. بل إن غياب الرقابة والضوابط سيزيد من فرص التلاعب والجشع، ويضعف قدرة السوق المحلي على المنافسة، ما يهدد الأمن الغذائي للمصريين على المدى الطويل.
خلاصة: الحكومة تفرط في الضوابط وتعرض المجتمع للخطر
قرار إعفاء منتجات الألبان الأميركية من شرط شهادة الحلال ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل هو انعكاس لسياسات حكومية تضع المصالح التجارية والعلاقات الدولية فوق ثوابت المجتمع ومصالح المواطنين. في ظل فساد مستشري وغياب للشفافية، يصبح هذا القرار حلقة جديدة في مسلسل التنازلات التي تهدر ثروات البلاد وتعرض أمنها الغذائي والديني للخطر.
المطلوب مراجعة جذرية لهذه السياسات، وعودة الرقابة الشعبية والمؤسساتية، وضمان ألا يكون خفض الأسعار على حساب الضوابط الشرعية أو كرامة المواطن المصري. فالاقتصاد يجب أن يكون في خدمة الإنسان، لا في خدمة الشركات أو الحكومات الفاسدة. وحين تفرط الدولة في الضوابط الشرعية أو تستهين بمصالح شعبها، فإنها تضع نفسها في مواجهة التاريخ والمجتمع معًا.





