أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته سحب ثلاثة مليارات دولار من أموال المنح الفدرالية المخصصة لجامعة هارفارد، متهماً إياها بـ”معاداة السامية” على خلفية السماح باحتجاجات طلابية تدافع عن غزة وتنتقد السياسات الإسرائيلية.
يأتي هذا التصعيد في وقت تتعرض فيه الجامعات الأميركية والأوروبية لضغوط متزايدة لقمع حرية التعبير والدفاع عن القضية الفلسطينية، في حين لا تزال الجامعات العربية عاجزة عن توفير دعم فعلي وفعال للطلاب والقضية الفلسطينية. هذه التطورات تثير تساؤلات جدية حول استقلالية الجامعات ومستقبل حرية الفكر في المؤسسات الأكاديمية.
بحث الجامعات الأميركية عن مصادر التمويل
تعتمد الجامعات الأميركية بشكل كبير على التمويل الحكومي، حيث يشكل الدعم الفدرالي عبر المنح والعقود البحثية مصدراً رئيسياً للإيرادات، خاصة في الجامعات البحثية الكبرى.
في عام 2023، بلغ دعم الحكومة الفدرالية للأبحاث الجامعية حوالي 59.6 مليار دولار، وتركزت هذه الأموال في مجالات مثل علوم الحياة والهندسة، حيث استحوذت برامج علوم الحياة وحدها على أكثر من نصف التمويل الفدرالي للأبحاث. وتغطي هذه الأموال نفقات البحث والتطوير في تخصصات متنوعة تشمل العلوم الطبيعية والهندسة والعلوم الاجتماعية وغيرها.لكن مع تراجع التمويل الحكومي على مدى العقود الأخيرة، أصبحت الجامعات مضطرة للاعتماد بشكل متزايد على مصادر أخرى، مثل الرسوم الدراسية، والمنح الخاصة، وعوائد الاستثمارات.
ورغم ذلك، لا تزال المنح والعقود الفدرالية تشكل ما يصل إلى نصف إيرادات بعض الجامعات البحثية المرموقة، ما يجعلها عرضة للضغوط السياسية التي تمارسها الإدارة الأميركية، كما حدث مؤخراً مع قرارات تجميد أو سحب التمويل عن جامعات مثل هارفارد وكولومبيا وبنسلفانيا.هذا الاعتماد الكبير على التمويل الفدرالي يضع الجامعات في موقف هش، إذ يمكن لأي قرار سياسي أن يهدد استقرارها المالي ويقيد حريتها الأكاديمية، خاصة في ظل تصاعد التوترات حول قضايا حرية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان في الجامعات الأميركية.
تسييس التمويل الأكاديمي: سلاح جديد للضغط
قرار ترامب بتجميد أو سحب التمويل الفدرالي من الجامعات التي لا تلتزم بشروطه يمثل سابقة خطيرة في تاريخ التعليم الأميركي. فبدلاً من حماية استقلالية الجامعات وحرية البحث العلمي، أصبح التمويل الحكومي أداة للابتزاز السياسي، تُستخدم لمعاقبة المؤسسات التي ترفض الرضوخ لرغبات السلطة التنفيذية. هارفارد، التي تعد من أعرق جامعات العالم، وجدت نفسها في مواجهة غير متكافئة مع الإدارة الأميركية، واضطرت إلى اللجوء للقضاء للطعن في قرار تجميد التمويل، معتبرة أن هذه الإجراءات تمثل تدخلاً سياسياً يهدد استقلالية المؤسسة الأكاديمية.الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب لتغيير آلية منح الاعتمادات الجامعية، وفرض رقابة حكومية غير مسبوقة على إدارة الجامعات، يكشف عن رغبة واضحة في إخضاع التعليم العالي لمعايير سياسية وأيديولوجية ضيقة، على حساب جودة التعليم وحرية الفكر.











