في مشهد يعكس هشاشة سوق المال السعودي أمام تقلبات السياسات الدولية، شهد مؤشر سوق الأسهم السعودية تاسي انتعاشًا طفيفًا بنسبة 0.3 في المئة في بداية جلسة الاثنين، متجاوزًا حاجز أحد عشر ألف نقطة بعد أن كان قد هبط إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر عام ألفين وثلاثة وعشرين. هذا التحسن جاء عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتأجيل فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، ما أعاد بعض شهية المخاطرة للمستثمرين وأدى لاستقرار نسبي في أسعار النفط.
تعافٍ هش مرهون بالعوامل الخارجية
رغم الاحتفاء الرسمي بهذا الانتعاش، إلا أن القراءة النقدية تكشف أن السوق السعودي لا يزال رهينة لتقلبات السياسة الأمريكية وأسعار النفط العالمية. فقرار ترمب، وليس سياسات الرياض الاقتصادية، كان المحرك الأساسي لعودة المؤشر فوق أحد عشر ألف نقطة، مستفيدًا من صعود أسهم أرامكو وأكوا باور ومصرف الراجحي. ويعكس ذلك هشاشة بنية السوق واعتماده المفرط على العوامل الخارجية، في ظل استمرار ضعف السيولة وحذر المستثمرين المحليين، الذين يفضلون الترقب في ظل غموض اقتصادي وجيوسياسي.
مكاسب محدودة وأرباح انتقائية
الارتفاع الأخير في تاسي لم يكن شاملاً، بل اقتصر على أسهم قيادية محددة مثل أكوا باور التي حققت مكاسب قاربت عشرة في المئة، في حين تراجعت أسهم قطاعات أخرى، مما يؤكد أن التحسن لا يعكس تعافيًا حقيقيًا للسوق ككل. كما أن قيم التداول بقيت ضعيفة بين ثلاثة فاصلة أربعة إلى أربعة فاصلة ثلاثة مليار ريال، ما يبرهن على غياب ثقة المستثمرين في استدامة هذا الانتعاش.
سياسات حكومية عاجزة عن تحفيز السوق
ورغم ما تروج له الحكومة من إصلاحات اقتصادية ضمن رؤية ألفين وثلاثين، إلا أن السوق السعودي لا يزال يعاني من ضعف التنويع والاعتماد شبه الكلي على عوائد النفط. ففي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة ضخ استثمارات ضخمة في مشاريع غير نفطية، إلا أن أي اهتزاز في أسعار النفط أو تغير في المزاج الدولي ينعكس فورًا على السوق، كما حدث مؤخرًا مع تهديدات ترمب.
عوائد مغرية خارج السوق… وهروب السيولة
المحللون يشيرون إلى أن العوائد المرتفعة على أدوات الدين مثل الصكوك وأسعار الفائدة المرتفعة التي وصلت إلى خمسة فاصلة أربعة في المئة باتت أكثر جاذبية من عوائد الأسهم التي لم تتجاوز أربعة في المئة فقط، مما يدفع المستثمرين بعيدًا عن سوق الأسهم ويزيد من ضعف السيولة. هذا الواقع يضعف قدرة السوق على جذب الاستثمارات طويلة الأجل ويجعل أي انتعاش مرهونًا بقرارات خارجية لا تملك الرياض السيطرة عليها.
خلاصة نقدية
الانتعاش الأخير في سوق الأسهم السعودية ليس سوى انعكاس لحساسية السوق المفرطة تجاه المتغيرات الدولية، ويفضح محدودية أثر السياسات الحكومية في تحفيز النمو الحقيقي أو بناء سوق مالي قوي ومستقل. طالما ظل تاسي رهينة لأسعار النفط وقرارات واشنطن، ستبقى أي موجة صعود مؤقتة وعرضة للانتكاس مع أول هزة خارجية، ما يطرح تساؤلات جدية حول فعالية النظام الاقتصادي السعودي وقدرته على تحقيق الاستقرار والاستقلال المالي المنشود.











