في خطوة مفاجئة قد تعيد رسم ملامح سوق الطاقة العالمي، أعلن تحالف “أوبك+” عن اتفاقه على زيادة إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يومياً اعتباراً من يوليو المقبل، للشهر الثالث على التوالي، في محاولة لتسريع استعادة الإنتاج المتوقف منذ سنوات.
جاء القرار بعد اجتماع افتراضي ضم ثماني دول رئيسية بقيادة السعودية وروسيا، وسط توقعات بأن هذه الزيادة قد تساهم في استمرار الضغوط الهبوطية على أسعار الخام التي تشهد تذبذباً منذ بداية العام.
تحليل القرار: بين استعادة الحصة السوقية وضغوط الأسعار
تأتي هذه الزيادة بعد زيادات مماثلة في مايو ويونيو، لتنهي بذلك سلسلة من التخفيضات التي هدفت لدعم الأسعار خلال فترات ضعف الطلب.
ويبدو أن التحالف يسعى حالياً لاستعادة حصته السوقية في مواجهة ارتفاع إنتاج دول من خارج “أوبك+”، مثل الولايات المتحدة والبرازيل، إضافة إلى تباطؤ الطلب العالمي على النفط، خاصة مع التحول المتسارع للطاقة النظيفة في الاقتصادات الكبرى.
تشير التحليلات إلى أن زيادة المعروض بهذا الشكل، في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن نمو الطلب، قد تؤدي إلى استمرار أو حتى تفاقم تراجع الأسعار، حيث يتوقع بنك أوف أميركا أن يصل متوسط سعر النفط إلى 65 دولاراً للبرميل في 2025، مع احتمال وجود فائض في المعروض يصل إلى 950 ألف برميل يومياً. هذا الفائض قد يضغط على ميزانيات الدول المنتجة، خاصة وأن سعر التعادل المالي لبعضها، مثل السعودية، يتجاوز بكثير الأسعار الحالية للخام.
المرونة في السياسة الإنتاجية: ضبط دقيق وفق ظروف السوق
أكدت “أوبك+” أن زيادات الإنتاج الشهرية ستكون مرنة وقابلة للتعديل أو الإيقاف المؤقت إذا تطلبت ظروف السوق ذلك، ما يمنح التحالف القدرة على التدخل السريع لضمان استقرار السوق. ويأتي ذلك بالتوازي مع جهود لتطوير آلية تقييم الطاقة الإنتاجية المستدامة القصوى للدول الأعضاء، بهدف تحديد خطوط الأساس للإنتاج حتى عام 2027.
تحديات الالتزام: تفاوت في الأداء بين الأعضاء
رغم التزام العراق بخفض إنتاجه إلى المستوى المستهدف، إلا أنه لم ينفذ بالكامل التخفيضات التعويضية، بينما زادت كازاخستان إنتاجها فوق المستويات المتفق عليها في الأشهر الماضية. هذا التفاوت يثير تساؤلات حول مدى قدرة التحالف على ضبط الإنتاج الجماعي، خاصة مع سعي بعض الدول لتعويض خسائر سابقة أو تحقيق مكاسب سريعة في السوق.
توقعات السوق: ضبابية مستمرة ومخاوف من فائض المعروض
تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يؤدي استمرار تخفيضات “أوبك+” إلى دعم الأسعار على المدى القصير، لكن مع بدء التحالف في إنهاء التخفيضات الطوعية اعتباراً من أبريل 2025، قد يتضخم الفائض في المعروض إلى 1.4 مليون برميل يومياً، ما يدفع الأسعار لمزيد من الهبوط. كما تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن نمو الطلب العالمي سيظل متواضعاً، ولن يكون قادراً على استيعاب كل الزيادات في الإمدادات، خاصة من خارج “أوبك+”.
خلاصة: قرار محفوف بالمخاطر في سوق متقلب
يمثل قرار “أوبك+” بزيادة الإنتاج بوتيرة متسارعة محاولة جريئة لاستعادة الحصة السوقية وتعويض الخسائر، لكنه في الوقت ذاته يهدد بمزيد من الضغوط على الأسعار في ظل تباطؤ الطلب العالمي وتزايد المنافسة من المنتجين الآخرين. ومع استمرار حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، يبقى التحالف أمام تحديات كبيرة لتحقيق التوازن بين مصالح أعضائه واستقرار السوق.









