محكمة القضاء الإداري المصرية تنظر دعوى ضد الرئيس السوري أحمد الشرع بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية
وافقت محكمة القضاء الإداري في مصر رسمياً على نظر دعوى قضائية غير مسبوقة ضد الرئيس السوري أحمد الشرع، تتهمه بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الأقليات في سوريا. تأتي هذه الخطوة القضائية في إطار تصاعد الاهتمام الإقليمي بالمساءلة القانونية لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا، خاصة بعد تولي الشرع (المعروف سابقاً بلقب “أبو محمد الجولاني”) رئاسة سوريا للمرحلة الانتقالية في يناير 2025. تطالب الدعوى الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشرع والتحرك على المستوى الدولي.
تفاصيل الدعوى القضائية
عقدت محكمة القضاء الإداري في مصر، السبت الموافق 31 مايو 2025، أولى جلسات النظر في الدعوى القضائية المقامة ضد الرئيس السوري أحمد الشرع. الدعوى التي حملت رقم ٥٣٩٠٥ لسنة ٧٩ ق مقدمة من المحامي المصري محمد أبو زيد، المتخصص في قضايا النقض والدستورية العليا.
وأكد أبو زيد أنه تقدم بالدعوى أمام المحكمة المختصة بهدف “محاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية ضد مكونات من الشعب السوري، وتحديداً من أبناء الطائفتين العلوية وطائفة الموحدين الدروز”. وتضم الدعوى وثائق ومقاطع مصورة توثق الانتهاكات المزعومة، وتستند إلى شهادات ميدانية وتوثيقات حقوقية تتعلق بانتهاكات جماعية ضد مدنيين.
تطالب الدعوى الرئيس المصري والحكومة المصرية باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشرع والتحرك دولياً، وتسعى إلى وضع رموز الصراع السوري تحت المساءلة الدولية، في ظل عجز المحاكم الدولية عن تحقيق العدالة لكثير من الضحايا.
الاتهامات الموجهة ضد الشرع
تتمحور الاتهامات الموجهة ضد الرئيس السوري حول ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق مكونات من الشعب السوري، ولا سيما من أبناء الطائفتين العلوية والدرزية. وجاء في أحد مقتبسات ملف الدعوى: “ما حدث في مناطق العلويين لم يفعله هولاكو في بغداد، ولا تيمورلنك في دمشق… أعتقد أن عرش الله قد اهتز من هول هذه الجرائم”.
وتشمل الانتهاكات المزعومة عمليات قتل واسعة النطاق وتهجير قسري وتصفية على أساس مذهبي، خاصة في مناطق الساحل السوري ومحيطها. وقد أشارت تقارير حقوقية إلى مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 10 آذار/مارس 2025 في منطقة الساحل السوري، بحسب تقرير أولي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
خلفية عن أحمد الشرع والعلاقات المصرية السورية
اتسم الموقف المصري من تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا بالتحفظ والترقب. وصف المساعد السابق لوزير الخارجية المصري حسين هريدي الشرع بأنه “زعيم إرهابي”، وقال إن “مصر لا تستطيع أن تتعامل معه، والتعامل معه يعني قبول مصر لمبدأ التعامل مع إرهابيين يفرضهم الغرب كرؤساء أو زعماء سياسيين حسب مصالحه”.
زادت المخاوف المصرية من الإدارة السورية الجديدة بعد انتشار صورة تجمع الشرع مع محمود فتحي، المطلوب أمنياً في مصر والمدرج على قائمة الكيانات الإرهابية المصرية، والمحكوم عليه بالإعدام غيابياً في قضية مقتل النائب العام المصري هشام بركات.
من جانبها، أكدت مصر أن الوضع الحالي في سوريا “وضع مؤقت”، وأن مصر “تعترف بالدول لا بالأنظمة والرؤساء”، مع إمكانية الإبقاء على العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال “لتسيير مصالح الناس فقط”.
دعاوى دولية وإقليمية ضد الشرع
تأتي الدعوى المقامة في مصر ضمن سياق دولي وإقليمي أوسع، حيث قدمت شخصيات سورية من طوائف متعددة دعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية باسم “التحالف الفرنسي-العلوي”، تتهم فيها الرئيس السوري أحمد الشرع وأعضاء حكومته بارتكاب مجازر بحق مئات المدنيين في مناطق مختلفة.
وتشمل هذه الدعوى الدولية وثائق ومقاطع مصورة توثق الانتهاكات، لكنها لم تحظَ بقبول رسمي من المحكمة بعد، مع وجود آراء قانونية تشكك في جدواها.
وفقاً للدكتورة لينا الطبال، عضو اللجنة القانونية للتجمع “العلوي الفرنسي”، فإن الرئيس الشرع، بصفته رئيساً للسلطة السورية، مسؤول عن المجازر التي ارتكبت منذ 8 ديسمبر 2024 والتي ما زالت مستمرة، بما في ذلك مجازر جماعية بحق مدنيين عزل، وإعدامات خارج إطار القانون، واختطاف للنساء العلويات، واستعباد جنسي، وانتهاكات أخرى.
ردود الفعل على الدعوى وآثارها المحتملة
تثير هذه الدعوى القضائية اهتماماً واسعاً في مصر والمنطقة، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين مصر والإدارة السورية الجديدة. ويرى محللون أن هذه الخطوة القانونية تعكس موقفاً مصرياً أكثر حزماً تجاه الشرع، وقد تمهد لتحركات دولية أوسع ضده.
في المقابل، تنفي الإدارة السورية الجديدة الاتهامات الموجهة إليها، وتؤكد أنها تدعم العدالة وحماية الأقليات. وقد شكلت لجنةً لتقصي الحقائق وتحديد الضحايا والمتورطين في الانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري.
جدير بالذكر أن محكمة القضاء الإداري في مصر هي جزء من القسم القضائي لمجلس الدولة المصري، وتختص بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة 10 من قانون مجلس الدولة، وقد سبق لها أن أصدرت أحكاماً تتعلق بالسياسة الخارجية المصرية، مثل حكمها بوقف قرار الحكومة بمنع حملة كسر حصار غزة من الوصول إلى معبر رفح البري في عام 2008.
التداعيات القانونية والسياسية المحتملة
تطرح هذه الدعوى القضائية تساؤلات مهمة حول مدى إمكانية محاسبة رؤساء الدول على انتهاكات حقوق الإنسان، وكيفية التعامل مع القادة الذين لديهم ماض مرتبط بتنظيمات متطرفة.
وعلى الصعيد السياسي، قد تؤدي هذه الدعوى إلى مزيد من التوتر في العلاقات المصرية السورية، وتضع المزيد من العقبات أمام استقرار النظام السوري الجديد واعتراف المجتمع الدولي به.
وفي الوقت ذاته، تعكس هذه الدعوى رغبة لدى بعض الأطراف في الحفاظ على مسألة العدالة والمساءلة عن الانتهاكات في سوريا، في ظل انشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى وتراجع ملف سوريا في أولوياته.
يبقى السؤال المطروح: هل ستؤدي هذه الدعوى إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، أم أنها ستظل مجرد خطوة رمزية في مسار طويل من المحاولات لتحقيق العدالة للضحايا السوريين؟










