أوروبا تبدأ صيف 2025 بأزمة مياه غير مسبوقة، مع إعلان المفوضية الأوروبية عن خطة جديدة تطالب دول الاتحاد بخفض استهلاك المياه بنسبة 10% على الأقل بحلول عام 2030، في ظل استمرار انخفاض مستويات المياه بنسبة تقارب 15% في بعض المناطق، وتصاعد مخاوف من جفاف ممتد يهدد قطاعات الزراعة والطاقة والنقل. وتأتي هذه الخطوة بعد تحذيرات متكررة من خبراء البيئة والاقتصاد حول تداعيات الجفاف الحاد الذي يضرب القارة منذ بداية العام، ويدفع الحكومات إلى فرض قيود صارمة على استخدام المياه، خاصة في جنوب أوروبا حيث باتت أوامر ترشيد المياه وحظر ملء حمامات السباحة أو ري الحدائق مشهداً مألوفاً.
أبعاد الأزمة: جفاف تاريخي وخسائر اقتصادية
تشير تقارير مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية إلى أن عام 2025 هو من أكثر الأعوام جفافاً في تاريخ أوروبا الحديث، حيث يعاني نحو ربع القارة من الجفاف، مع تراجع حاد في منسوب الأنهار الكبرى مثل الراين والبو، ما أدى إلى تعطيل النقل النهري وتكبيد الاقتصاد الأوروبي خسائر بمليارات اليورو. وأكدت وزيرة الزراعة القبرصية أن 2025 هو “عام الجفاف الثالث على التوالي”، بينما سجلت ألمانيا في مارس الماضي أدنى معدل هطول أمطار منذ بدء التسجيلات المناخية عام 1881.
أسباب الأزمة: مناخ متغير وسوء إدارة
يرجع الخبراء الأزمة إلى مزيج من التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار والثلوج، إلى جانب زيادة الطلب على المياه من القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية. كما تبرز مشكلة البنية التحتية المتقادمة، حيث يُفقد نحو 25% من المياه في الاتحاد الأوروبي بسبب التسربات، وتصل النسبة إلى 60% في بعض الدول مثل بلغاريا، ما يفاقم أزمة الشح المائي.
استجابات حكومية ودعوات لترشيد المياه
تسارع الحكومات الأوروبية إلى اتخاذ تدابير عاجلة تشمل:
فرض قيود على استخدام المياه في المنازل والصناعة، وحظر ري الحدائق وغسل السيارات في أوقات الذروة.
استثمار مليارات اليورو في تحديث شبكات المياه ومحطات التحلية وإعادة استخدام المياه الرمادية.
إطلاق حملات توعية للمواطنين حول أهمية خفض الاستهلاك، وجعل استهلاك المياه أكثر شفافية عبر العدادات الذكية.
تحفيز المزارعين على استخدام تقنيات ري حديثة تقلل الهدر، إذ تستهلك الزراعة نحو ثلثي المياه في أوروبا.
تصاعد النزاعات والتحديات المستقبلية
مع تفاقم الأزمة، تزايدت النزاعات القانونية بين المزارعين وسكان المدن حول حقوق المياه، واحتدمت المنافسة بين الدول الأوروبية على الموارد المائية المشتركة، خاصة في مناطق الأنهار العابرة للحدود. كما يواجه قطاع مراكز البيانات، الذي يشهد نمواً هائلاً بفعل الذكاء الاصطناعي، ضغوطاً لتقليل استهلاكه الكبير للمياه المستخدمة في التبريد.
خلاصة
أزمة المياه في أوروبا لم تعد قضية بيئية فقط، بل تحولت إلى تحدٍ اقتصادي واجتماعي وسياسي يهدد استدامة النمو في القارة. ومع استمرار انخفاض مستويات المياه بنسبة 15%، وارتفاع وتيرة الجفاف، تبدو خطط المفوضية الأوروبية لترشيد الاستهلاك وتحديث البنية التحتية ضرورة ملحة لضمان أمن المياه للأجيال القادمة.











