في منتدى “حوار شانغريلا” الأمني السنوي في سنغافورة، طغى التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وأوروبا حول طبيعة الانخراط في الأمن الآسيوي، إلى جانب العداء المتجدد بين الهند وباكستان، على الجدل التقليدي حول المنافسة الأمريكية الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
واشنطن تدعو أوروبا للتركيز على قارتها
في خطاب مثير للجدل، حذّر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث من التهديد “الوشيك” الذي تمثله الصين، لكنه دعا الأوروبيين إلى تركيز استثماراتهم الدفاعية داخل القارة الأوروبية، معتبرًا أن الولايات المتحدة تملك “ميزة نسبية” في آسيا يمكنها عبرها دعم حلفائها.
وقال هيغسيث:
“نفضّل أن يتركز معظم الاستثمار الأوروبي في أوروبا… لنتمكن من استخدام قدراتنا لدعم شركائنا هنا (في آسيا)”.
تصريحاته قوبلت ببرود أوروبي، حيث أصرّت عدد من الدول، بينها فرنسا وإستونيا، على أن أمن أوروبا وآسيا مترابطان، مشيرين إلى أن التهديد الصيني لا ينفصل عن الدعم الذي تقدمه بكين لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
عداء هندي-باكستاني على الهامش
ألقى الصراع الحدودي بين الهند وباكستان بظلاله على المنتدى، حيث حضرت وفود رفيعة المستوى من الجانبين رغم الاشتباكات العنيفة التي وقعت بينهما قبل أيام فقط.
وتجنّب الوفدان الهندي والباكستاني، برئاسة كبار القادة العسكريين، أي احتكاك مباشر في قاعات وممرات الفندق الذي استضاف الفعالية، في مشهد يعكس عمق التوتر بين القوتين النوويتين، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي تم التوصل إليه في 10 مايو/أيار.
أوروبا لا تتراجع… وماكرون يطرح “مسارًا ثالثًا”
من جانبه، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستبقى قوة محورية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مشيرًا إلى الإرث الاستعماري في كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا، وتمركز آلاف الجنود الفرنسيين في المنطقة.
واقترح ماكرون “تحالف المسار الثالث” بين أوروبا وآسيا، بعيدًا عن الاستقطاب بين بكين وواشنطن، وقال:
“لسنا الصين ولا أمريكا… نريد التعاون مع كليهما بما يخدم السلام والنظام العالمي”.
العلاقات العسكرية الأوروبية الآسيوية باقية
ورغم التوتر، تؤكد الوقائع الميدانية أن أوروبا تحتفظ بعلاقات أمنية وتجارية قوية مع آسيا، حيث أبرمت شركات مثل إيرباص ونافال وساب صفقات كبرى مع دول جنوب شرق آسيا.
كما أظهرت بريطانيا تمسكها بوجودها العسكري في المنطقة من خلال زيارات حاملات طائراتها، واتفاقياتها الدفاعية مع دول مثل سنغافورة وأستراليا.
إنفاق دفاعي آسيوي في تصاعد
وفق تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ارتفع الإنفاق الدفاعي في آسيا بنسبة 46% خلال العقد الأخير ليبلغ 629 مليار دولار عام 2024، ما يعكس حجم التنافس العسكري المتصاعد في المنطقة، ويجعلها محورًا لصراعات جيوسياسية معقدة.










