في تطور لافت يعكس تعقيدات المشهد الليبي وتنامي الأدوار الخارجية فيه، أجرى رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم قالن زيارة غير معلنة إلى العاصمة الليبية طرابلس، حيث التقى بعدد من قادة المليشيات المسلحة النافذة في المدينة، وسط تصاعد التحشيدات العسكرية والانقسامات السياسية العميقة.
وبحسب مصادر مطلعة، شملت اللقاءات شخصيات بارزة من التشكيلات المسلحة المسيطرة على مفاصل أمنية ومؤسساتية حيوية، أبرزها “قوة الردع الخاصة” بقيادة عبد الرؤوف كارة، التي تسيطر على مواقع مثل مطار معيتيقة والبنك المركزي الليبي ومؤسسة النفط الوطنية.
المليشيات: الطرف الفاعل الحقيقي في طرابلس
تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 300 تشكيل مسلح في العاصمة طرابلس، تختلف في ولاءاتها وتحالفاتها، لكنها تجمع على امتلاك اليد العليا في إدارة الأمن والسيطرة على القرار السياسي.
هذا الواقع يدفع القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، إلى تبني سياسة التواصل المباشر مع قادة هذه التشكيلات لضمان استمرار النفوذ وتأمين المصالح الاستراتيجية.
أبعاد الزيارة: تحولات في التكتيك التركي
زيارة إبراهيم قالن تأتي بعد تغييرات ملحوظة في طريقة تعاطي أنقرة مع الملف الليبي، فبدلا من التدخل العسكري المباشر كما حدث في 2020، تتجه تركيا الآن إلى هندسة تحالفات محلية عبر دعم مليشيات محددة، ما يعد تحولا من “الدعم الحكومي” إلى “إدارة الواقع الميداني”.
وتأتي الزيارة أيضا في ظل هشاشة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تواجه تحديات وجودية، وسط مطالب دولية بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، وتزايد الضغط من قبل الفاعلين الدوليين لحل المليشيات المسلحة أو دمجها تحت سلطة الدولة.
وأدت السياسة التركية إلى تهميش مؤسسات الدولة لصالح الهياكل الموازية. ففي 2024، سيطرت المليشيات المدعومة تركياً على 80% من الميزانية العامة عبر السيطرة على البنك المركزي.
كما حوّلت أنقرة المليشيات إلى شركات أمن خاصة، حيث تسجل إيرادات “قوة الردع” 120 مليون دولار سنوياً من خدمات حماية المنشآت الأجنبية.
ورغم المكاسب قصيرة المدى، تُواجه تركيا مخاطرَ تآكل شرعيتها الدولية بسبب ارتباطها بجماعات متطرفة، تقارير الأمم المتحدة لعام 2024 أشارت إلى تورط عناصر تركية في تهريب 850 قطعة سلاح محظورة إلى درنة.
ومن ناحية أخرى، يُهدد تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد المليشيات بانهيار التحالفات الهشة، ما قد يُعيد أنقرة إلى نقطة الصفر في معادلة الصراع الليبي.
الزيارة أثارت تكهنات حول تداعياتها على الداخل الليبي، إذ يخشى مراقبون أن تزيد من تعقيد المشهد الأمني وتغذي الصراعات بين الفصائل المسلحة، خصوصا إذا شعرت أطراف أخرى بأنها خارج دائرة الدعم التركي.










