قافلة الصمود: الاستثمار السياسي وغسيل السمعة في ظل الصراع الإقليمي
كشفت قافلة الصمود المغاربية، التي انطلقت في يونيو 2025 من الجزائر وتونس متجهة إلى غزة عبر ليبيا ومصر، عن استغلال سياسي واسع النطاق من قبل العديد من الدول والحكومات والجماعات. تهدف هذه القافلة ظاهرياً إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، لكنها في الواقع تُستخدم كأداة لتحقيق مكاسب سياسية متعددة وتحسين صورة أطراف إقليمية مختلفة. تضم القافلة أكثر من 1500 شخص على متن عشرات الحافلات والسيارات، وتسعى للوصول إلى معبر رفح في محاولة رمزية لكسر الحصار الإسرائيلي.
قطر: التغطية على العلاقات مع إسرائيل
المشاركة في المناورات العسكرية المشتركة
تشارك قطر في استثمار قافلة الصمود إعلامياً للتغطية على علاقاتها المتنامية مع إسرائيل، حيث شاركت الدوحة في مناورات “إينيواخوس 2025” الجوية التي استضافتها اليونان بمشاركة إسرائيل. هذه المشاركة أثارت تساؤلات حول مسار السياسة الخارجية القطرية، التي طالما ارتكزت على مناصرة القضية الفلسطينية وتشديد اللهجة ضد إسرائيل في إعلامها.
صفقات الأسلحة السرية
كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن توقيع قطر عقوداً مع شركات صناعات دفاعية إسرائيلية لشراء تقنيات عسكرية متطورة بقيمة مئات ملايين الدولارات. وبحسب الصحيفة، فإن شركة “إلبيت” وقعت عقوداً مع قطر بقيمة أكثر من 100 مليون دولار، ووقعت شركة “رافائيل” عقوداً بقيمة عشرات الملايين من الدولارات. هذه الصفقات تمت بموافقة رسمية من الحكومة الإسرائيلية، في الوقت الذي تتهم فيه إسرائيل قطر بدعم حركة حماس.
تعطيل صفقة إنهاء الحرب
تستثمر قطر في قافلة الصمود للتغطية على تقارير إسرائيلية أشارت إلى دور الدوحة في تعطيل صفقة إنهاء الحرب في غزة والتشكيك في الدور المصري. وقد أعلنت وزارة الخارجية القطرية مؤخراً تعليق جهودها في الوساطة بين حماس وإسرائيل، مشيرة إلى أنها ستستأنف جهودها “عند توفر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب”.
ليبيا: الدبيبة وغسيل السمعة
التغطية على العلاقات مع إسرائيل
يسعى رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، إلى الاستثمار في قافلة الصمود من خلال إعلان دعمه لها وتسهيل إجراءاتها ومرورها في غرب ليبيا. يأتي هذا في محاولة للتغطية على علاقاته مع إسرائيل والتفاوض معها، وهو ما كشفته وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش.
فضيحة اللقاء الإسرائيلي
كشفت صحيفة “لا روبوبليكا” الإيطالية أن اجتماع وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين تم في روما بعلم من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وهو ذاته الذي أقال المنقوش على خلفية ذلك اللقاء. هذا الكشف أثار غضباً شعبياً وسياسياً في ليبيا، مما دفع الدبيبة للبحث عن وسائل لتحسين صورته.
خطة تهجير الفلسطينيين
تشكل القافلة طوق نجاة وغسيل سمعة للدبيبة بعد نشر تقارير أجنبية حول اتفاق بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحكومة الدبيبة لتهجير مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا مقابل 35 مليار دولار. ذكرت قناة إن.بي.سي نيوز، نقلاً عن 5 أشخاص مطلعين، أن إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل ما يصل إلى مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا بشكل دائم.
تهدئة الشارع الليبي
يأتي توقيت دعم قافلة الصمود في محاولة لتهدئة الشارع في طرابلس، الذي خرج من أجل إسقاط حكومة الدبيبة، وهو ما يعني تحقيق مكاسب سياسية داخلية للحكومة الليبية. تسعى حكومة الدبيبة إلى استغلال القضية الفلسطينية لصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية وتحسين صورتها أمام الشعب الليبي.
تنظيم الإخوان المسلمين: محاولة استعادة النفوذ
إثبات القدرة على تحريك الشارع العربي
يعمل تنظيم الإخوان المسلمين الدولي وفروعه في الجزائر وليبيا وتونس على الاستثمار في القافلة ليؤكد أنه صاحب القرار في الشارع العربي وأنه وحده يستطيع تحريك الشارع. يأتي هذا في إطار رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدعم التنظيم، على غرار وصول أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) قائد هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق في ديسمبر 2024 وإسقاط نظام بشار الأسد.
ترميم الصورة بعد سقوط 2013
يحاول التنظيم ترميم وإعادة سمعته في الشارع العربي بعد تراجع نفوذه خلال السنوات الماضية، وخاصة بعد سقوط الإخوان المسلمين في مصر في يونيو 2013. بعد 11 عاماً من “سقوطها التاريخي” خلال انتفاضة 30 يونيو 2013، تعيش جماعة الإخوان المسلمين المصرية حالة من “التشرذم والتيه”، ما بين محاكمات محلية وملاحقات دولية وخلافات تنظيمية داخلية.
الجهات الداعمة للقافلة
كشف الباحث سامح عسكر، المتخصص في الحركات الإسلامية، أن هناك 4 جهات أساسية تدعم قافلة الصمود، وهي: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (منظمة إخوانية)، والهيئة العامة لنصرة النبي (هيئة إخوانية مقرها في تركيا)، وإعلام جماعة الإخوان الدولي، والإعلاميين العاملين في القنوات التركية والإخوانية والقطرية.
تونس والجزائر: صرف الأنظار عن المشاكل الداخلية
الخطاب الشعبوي والمشاكل الاقتصادية
تعمل حكومات تونس والجزائر على الاستثمار في قافلة الصمود لصرف نظر الشعبين الجزائري والتونسي عن المشاكل الاقتصادية والسياسية في البلدين، وبما يخدم الخطاب الشعبوي لكلا القيادتين السياسيتين. تسعى هذه الحكومات إلى استغلال القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتها الداخلية وتحويل الأنظار عن التحديات المحلية.
الغياب عن القمة العربية في بغداد
غاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس التونسي قيس سعيد عن القمة العربية الأخيرة في بغداد، التي كانت تسعى لموقف عربي يدعم القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب في غزة. وقد أناب الرئيس الجزائري وزير الخارجية أحمد عطاف، بينما أناب الرئيس التونسي وزير الخارجية محمد علي النفطي لحضور القمة.
تركيا: الازدواجية في الموقف
الدعم الإعلامي للقافلة
لم تخرج تركيا خالية الوفاض من الاستثمار الخفي في قافلة الصمود، حيث تستخدم وسائلها الإعلامية الناطقة بالعربية و”الذباب الإلكتروني” من أجل التمجيد في قافلة الصمود وإظهار الموقف التركي الداعم لها. تسعى تركيا من خلال ذلك إلى تحسين صورتها في العالم العربي وتعزيز نفوذها الإقليمي.
تعاظم الصادرات إلى إسرائيل
في الوقت الذي تظهر فيه تركيا دعمها للقضية الفلسطينية، تعاظمت الصادرات التركية إلى إسرائيل خلال الحرب على غزة. وقد أعلنت وزارة التجارة التركية في أبريل 2024 فرض قيود على تصدير 54 مجموعة منتجات إلى إسرائيل، لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة وبعد ضغوط شعبية متزايدة.
مشاركة مرتزقة أتراك مع الجيش الإسرائيلي
كشفت تقارير عن مشاركة مرتزقة أتراك إلى جانب الجيش الإسرائيلي ضد حماس. وقد أشار مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي إسماعيل ياشا إلى وجود إسرائيليين يحملون الجنسية التركية بالإضافة إلى جنسيتهم الإسرائيلية، ويخدم بعض هؤلاء في جيش الاحتلال الصهيوني كجنود وضباط، ويشاركون في حرب غزة.
من يدفع؟ ومن يربح؟
تكشف قافلة الصمود المغاربية عن تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة العربية، حيث تتداخل المصالح وتتضارب المواقف. فبينما تظهر الدول والحكومات والجماعات دعمها للقضية الفلسطينية، تسعى في الوقت نفسه إلى تحقيق مكاسب سياسية وتحسين صورتها وصرف الأنظار عن علاقاتها المشبوهة أو مشاكلها الداخلية. وتبقى القضية الفلسطينية، كما هو الحال دائماً، ساحة للمزايدات السياسية والاستثمار الإعلامي، بينما يستمر معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الحصار والحرب المستمرة على قطاع غزة.
