في تطور لافت وسط التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، ظهرت أصوات إيرانية متعددة تؤيد الهجمات الإسرائيلية على بلادها وتدعو لاستغلالها كفرصة لإسقاط نظام المرشد الأعلى علي خامنئي.
هذا الموقف الاستثنائي يعكس حالة السخط الشعبي المتنامي ضد النظام الحاكم، خاصة في أعقاب الهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق التي بدأت في 13 يونيو 2025 تحت اسم “الأسد الصاعد”.
الهجمات الإسرائيلية الأخيرة وتأثيرها
شنت إسرائيل في الساعات الأولى من يوم 13 يونيو 2025 سلسلة من الضربات الجوية غير المسبوقة على أهداف استراتيجية داخل الأراضي الإيرانية.
واستهدفت العملية منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقواعد عسكرية، بالإضافة إلى اغتيال عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين.
قتل خلال الضربات قادة بارزون منهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري.
رضا بهلوي يدعو للعصيان المدني
في خطوة تصعيدية واضحة، وجه رضا بهلوي، ولي العهد الإيراني المنفي وابن الشاه السابق، نداء مصورا عاجلا إلى الشعب الإيراني يحثهم فيه على الانتفاضة والعصيان المدني ضد نظام الجمهورية الإسلامية.
النداء جاء بعد ساعات من الهجمات الإسرائيلية لعلى طهران ومقتل قادة الحرس الثور يوالجيش الإيراني، وواستهداف منشآت عسكرية ونووية إيرانية.
وفي بيان مصور لم تتجاوز مدته دقيقة ونصف، اتهم بهلوي قادة طهران بـ”جر إيران” إلى وضعها الراهن، ووصف النظام بأنه “عاجز ومجرم”.
ودعا بهلوي الإيرانيين إلى أعمال مقاومة ملموسة قائلا: “عصيانكم، كالامتناع عن العمل أو الإضراب مثلا، قد يوجه ضربة قاضية لفشل هذا النظام”.
ولم يكتف بهلوي بالتحريض العام، بل وجه دعوة مباشرة للقوات العسكرية والأمنية حثهم فيها على “الانفصال عن هذا النظام والتوقف عن معارضة الشعب”. كتب على منصة “إكس”: “رسالتي للقوات العسكرية والأمنية واضحة: هذا النظام وقادته الفاسدون وغير الأكفاء لا يقدرون حياتكم ولا يقدرون إيراننا”.
منظمة مجاهدي خلق
تعد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية أكبر المنظمات المعارضة للنظام الإيراني وأقواها تنظيما، والتي عملت خلال الساعات الماضية على حشد الشارع الإيراني للخروج في احتجاجات ضد النظام، وداعمة لكل التحركات الخارجية والداخلية لإسقاط نظام آيات الله في إيران.
تأسست نظمة مجاهدي خلق في العام 1965 ولعبت دورا مؤثرا في الإطاحة بنظام الشاه، لكنها رفضت لاحقا مبدأ ولاية الفقيه ولم تصوت على دستور نظام الملالي، واقدمت نظام خامنئي على اعتقال واإعدام الآلاف من أعضاء المنظمة في 1988.
وتعد منظمة مجاهدي خلق جزءا من ائتلاف واسع يسمى “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، يضم المجلس 5 منظمات وأحزاب و550 عضوا بارزا من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية.
وتم رفع اسم المنظمة من قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة.
ورغم أن منظمة مجاهدي خلق بقيت خارج الائتلافات الأخيرة للمعارضة الإيرانية، إذ تعارض بهلوي بشدة، إلا أنها تشارك الهدف النهائي نفسه وهو إسقاط النظام الحالي.
ودعت رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مريم رجوي سابقا الغرب إلى “الاعتراف بالمقاومة الإيرانية” مؤكدة أن “الحل الوحيد للأزمة الإيرانية هو تغيير النظام من قبل الشعب الإيراني ومقاومته”.
جيل زد الإيراني والثورة الرقمية
يدرك جيل زد الإيراني أن الحياة يمكن أن تعاش بشكل مختلف، وهذا الجيل أكثر حداثة وإدراكا للعالم الذي يعيشون فيه، ويرون أن نظام آيات الله أدى إلى تراجع وتخلف إيران مقارنة بالدول الإقليمية وجعلها معزولة عن العالم، ومتهم بأنها راعية للإرهاب، وأن انطلاق إيران سيكون بإسقاط نظام رجال الدين.
ويقول عالم الاجتماع الإيراني حسين غازيان إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي عامل مهم في الاحتجاجات إلى جانب خيبة الأمل الكاملة من أي فرصة أخرى للتغيير.
ولعبت النساء بمن فيهن تلاميذ المدارس دورا رئيسيا في المظاهرات، وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لفتيات لا تتجاوز أعمارهن 11 عاما يقمن بإنزال صورة المرشد علي خامنئي ويمزقونها ثم يحرقونها.
الاحتجاجات الأخيرة في نوفمبر 2022 على الصعيد الإيراني، منتشرة عبر الطبقات الاجتماعية والجامعات والشوارع والمدارس.
وفي هذا السياق شنت السلطات الإيرانية حملات اعتقالات واسعى استهدفت ناشطين إلكترونيين بتهم تشمل الدعم الإعلامي لإسرائيل والتحريض العام وترويج الشائعات، و”النشاط الدعائي ضد النظام”، وما يسمى “إهانة مكانة الشهداء”. كما وجهت إليهم تهم “نشر الشائعات”.
وتم أعلنت منظمة فرج الاستخباراتية عن اعتقال 16 شخصا في مدينة أصفهان بتهمة الدعم الإعلامي لإسرائيل
لم تقتصر الاعتقالات في الأيام الأخيرة على أصفهان.
فقد أعلن مكتب المتحدث باسم فرج أنه خلال عملية في ساوجبولاغ بمحافظة البرز، تم تحديد هوية عضوين من فريق تابع للموساد كانا مشغولين بتصنيع القنابل والمتفجرات والأفخاخ المتفجرة والمعدات الإلكترونية في منزل الفريق، وتم اعتقالهما. وفي الوقت نفسه، نشر فيديو للعناصر التي عثر عليها في موقع الاعتقال.
في محافظة خوزستان “الأحواز” ذات الأغلبية العربية، أعلن المدعي العام الثوري في مقاطعة لالي، اعتقال أربعة أشخاص بتهمة الترويج للدعاية لصالح إسرائيل عبر الإنترنت. وسيحتجز هؤلاء الأشخاص حتى إشعار آخر بأمر من النيابة العامة.
وأعلن قائد شرطة محافظة كرمان جليل موقوفه أنه في عملية منفصلة، تم اعتقال شخصين آخرين بتهمة “دعم الإجراءات الإسرائيلية” و”إثارة الرأي العام” و”نشر الشائعات في الفضاء الإلكتروني”.
في هذه الأثناء، من بين المعتقلين مطهرا غني، وهي ناشطة طلابية سبق أن اعتقلت عدة مرات خلال احتجاجات العامين الماضيين.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن سبب اعتقالها الأخير هو منشور على موقع التواصل الاجتماعي X. في هذا المنشور، وصف غني السبب الرئيسي للحرب الحالية بأنه “الاستبداد الديني”، وحذر من تضليل الرأي العام بالتهديد بالحرب.
وأعلنت نيابة مدينة يزد في بيان: “تم تحديد هوية خمسة من الأفراد المخدوعين الذين حاولوا إزعاج الرأي العام في الفضاء الإلكتروني وقاموا بالتقاط صور لأماكن سرية وتم اعتقالهم بالتنسيق مع النظام القضائي”.
نشطاء الشعوب غير الفارسية
يعد نشطاء الشعوب غير الفارسية جزء من الذين يهدفون إلى إسقاط النظام، لذلك يشكل دعمهم بشكل أو بأخر للهجوم الإسرائيلي على طهران خطوة للوصول إلى أهدافهم.
وتضم إيران أقليات كبرى مثل الأتراك الأذريين (أكثر من 30 مليون نسمة)، والكرد، والعرب الأحوازيين، والبلوش. هؤلاء يشكلون نسبة تتجاوز 40% من السكان، ويسكنون في مناطق استراتيجية تحتوي على موارد طبيعية، ما يمنحهم وزنا كبيرا في أي معادلة تغيير سياسي محتمل.
خريطة جديدة للمعارضة: هل ينجح رهان الداخل؟
ما بين دعم بهلوي، ونشاط مجاهدي خلق، وثورة جيل Z الرقمية، وغليان الأقليات غير الفارسية، ترسم ملامح خريطة معارضة جديدة تسعى لاستغلال لحظة الانكشاف الاستراتيجي للنظام.
للأقليات العرقية والمذهبية تأثير كبير على نجاح النشاط المناهض للنظام في إيران، فالمواقع الاستراتيجية الأكثر أهمية في إيران تقع في مناطق تقطنها قوميات غير فارسية.
ورغم فشل محاولات توحيد صفوف المعارضة الإيرانية في المنفى، إلا أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة خلقت زخما جديدا، حيث انهار ائتلاف لمجموعات معارضة إيرانية في المنفى كان قد تشكل بعد احتجاجات مهسا أميني، ليسارع ممثلو الإيرانيين في الشتات للبحث عن وحدة جديدة.
ضربة مؤلمة للنظام الإيراني
تثبت الضربات الإسرائيلية رغبة في إحداث خلخلة في النظام الإيراني وإضعافه وربما فتح الطريق إلى عملية تغيير شاملة.
كما أدى اختراق إسرائيل الواضح للأجهزة الأمنية والعسكرية الإيرانية إلى صدم المسؤولين الإيرانيين، وسط تساؤلات داخلية عن الفشل الاستخباراتي الكبير.
بينما يهتف النظام بالانتقام والرد، تظهر أصوات شعبية إيرانية تؤيد الهجمات الإسرائيلية كوسيلة لإضعاف النظام. ردود الفعل الشعبية لم تتأخر كثيرا، فقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بموجة من الانتقادات الحادة واتهم نشطاء وجمعيات حقوقية الحكومة بـ”التمييز الطبقي”.
تكشف التطورات الأخيرة عن تعقيدات المشهد الإيراني الداخلي، حيث تتزايد الأصوات المؤيدة لإسقاط النظام الحالي من مختلف الأطياف السياسية والعرقية.
ومن تيار رضا بهلوي في المنفى إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة، ومن جيل زد الإيراني المتمرد إلى نشطاء الشعوب غير الفارسية، تتشكل خريطة معارضة متنوعة تسعى لاستغلال اللحظة الراهنة لتحقيق التغيير المنشود.
رغم التحديات والانقسامات، تبدو رغبة التغيير المعارضين لنظام آيات الله في طهران أقوى من أي وقت مضى، خاصة في ظل الضغوط الخارجية المتزايدة والاضطرابات الداخلية المستمرة.










