في خضم التصعيد العسكري المتواصل بين إسرائيل وإيران، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيحسم خلال أسبوعين قراره بشأن مشاركة واشنطن في الحرب ضد إيران، بما يشمل استهداف منشآت نووية إيرانية.
هذا الإعلان، الذي جاء في ظل تصاعد عسكري واسع بين الطرفين، أثار تساؤلات عديدة حول طبيعة هذه المهلة وأهدافها الحقيقية: هل هي فرصة حقيقية للدبلوماسية أم مجرد غطاء لتحضيرات عسكرية؟.
خلفية التصعيد الحالي.
بدأت الأزمة الحالية مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، حيث نفذت تل أبيب ضربات جوية طالت مواقع حساسة داخل الأراضي الإيرانية، وردت طهران بإطلاق صواريخ استهدفت منشآت ومناطق حيوية في الدولة العبرية، وقد دخلت الحرب الإيرانية الإسرائيلية يومها الثامن مع إعلان البيت الأبيض عن مهلة الأسبوعين.
وفقا لتقارير إعلامية، فإن إسرائيل قصفت موقعين إيرانيين لإنتاج أجزاء تستخدم في صناعة أجهزة الطرد المركزي، كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأشارت تقارير أخرى إلى أن منشآت حساسة، مثل محطة الكهرباء في نطنز، تعرضت لأضرار كبيرة من جراء الغارات الإسرائيلية.
مهلة الأسبوعين: الإعلان والدلالات
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، نقلا عن رسالة من ترامب للصحفيين: “استنادا إلى حقيقة أن هناك فرصة كبيرة لإجراء مفاوضات، قد تجري أو لا تجري مع إيران في المستقبل القريب، سأتخذ قراري بشأن التدخل من عدمه خلال الأسبوعين المقبلين”.
وأوضحت ليفيت أن موقف ترامب من إيران “لا يجب أن يفاجئ أحدا”، مؤكدة وجود فرصة “حيوية” للتفاوض، كما أضافت: “أعتقد أن الرئيس أوضح أنه يسعى دائما إلى انتهاج الدبلوماسية. لكن صدقوني، إنه لا يخشى استخدام القوة عند الضرورة”.
الشروط الأمريكية والأهداف المعلنة.
كشف موقع “أكسيوس”، نقلا عن مسؤولين أمريكيين، أن ترامب “يفكر جديا في الانضمام” إلى حرب إسرائيل ضد إيران، “لكنه يريد ضمان ثلاثة أمور”
- أن تكون الضربة العسكرية ضرورية حقا.
- أن العملية لن تجر الولايات المتحدة إلى حرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط.
- الأهم من ذلك كله، أنها ستحقق هدف تدمير البرنامج النووي الإيراني.
وفي تصريحات للصحفيين من البيت الأبيض، قال ترامب: “الإيرانيون يواجهون مشكلات كبيرة ويرغبون في التفاوض.. لم يفت الأوان بعد.. لقد اقترحوا الحضور إلى البيت الأبيض”، وأضاف: “لقد تواصل الإيرانيون معنا وقد سئمت هذا الوضع وأريد استسلامها غير المشروط”.
التحركات العسكرية الأمريكية
بالتزامن مع إعلان المهلة، اتخذ الجيش الأمريكي عدة خطوات لحماية قواته في الشرق الأوسط، بما في ذلك إخلاء جميع الطائرات غير المحمية من قاعدة العديد في قطر، ونقل سفن متمركزة في البحرين.
وأوضح مسؤولان أمريكيان أن هذه الإجراءات تأتي كجزء من مخطط لحماية القوات الأمريكية في المنطقة.
كما كشفت شبكة “فوكس نيوز” عن إرسال طائرات مقاتلة أمريكية إلى الشرق الأوسط، في إطار توسيع انتشار القوات الجوية في المنطقة، وذلك بهدف “تعزيز الردع الإقليمي”، وتتجه حاملة طائرات من منطقة المحيطين الهندي والهادي إلى الشرق الأوسط.
وأشارت تقارير إلى أن الجيش الأمريكي يستعد لاحتمال تلقي أوامر من ترامب لمساعدة الطائرات الإسرائيلية في التزود بالوقود أثناء شن ضربات جوية على إيران.
وقد أوضح أحد المصادر أن ذلك يهدف إلى “توسيع هامش الخيارات” أمام الرئيس الأمريكي، في حال قرر رفع وتيرة التدخل.
الموقف الإسرائيلي من المهلة
أوضح مسؤول إسرائيلي لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، أن إسرائيل لا تزال تتوقع انضمام الرئيس الأمريكي إلى الضربات ضد البرنامج النووي الإيراني.
وقدر المسؤول المدة التي ستقرر فيها واشنطن الانضمام للضربات على إيران بالقول: “سنعرف ذلك خلال 24-48 ساعة القادمة”.
ونقل موقع “أكسيوس” عن مسؤولين إسرائيليين تقديرهم بأن واشنطن ستنضم للعمليات العسكرية خلال الأيام القليلة المقبلة، مع تركيز محتمل على استهداف منشأة “فوردو” النووية الإيرانية.
وبحسب الموقع، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي يعتقدون أن ترامب في طريقه لاتخاذ القرار بضرب هذه المنشأة الحساسة.
لكن تقارير أخرى أشارت إلى أن مسؤولا استخباراتيا إسرائيليا أعرب عن استيائه من عدم اتخاذ ترامب قرارا فوريا بشأن التدخل العسكري.
الموقف الإيراني من المهلة
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن إيران تستعد للدخول في مفاوضات جديدة بشروط أمريكية.
ونقل التلفزيون الإيراني عن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تأكيده أن طهران ترفض الدخول في أي محادثات في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية، قائلا: “لسنا مستعدين لأي حوار مع أي طرف ما دامت الاعتداءات متواصلة”
وأضاف عراقجي أن بلاده واثقة بأن “الدول ستنأى بنفسها عن هذا العدوان بعد أن أثبتنا قدرتنا على مقاومة إسرائيل”، وأوضح أن المفاوضات مع الأطراف الأوروبية في جنيف تتركز فقط على الملف النووي والقضايا الإقليمية، مشددا على أن “قدرات إيران الصاروخية غير قابلة للنقاش”.
كما أبلغت إيران واشنطن بأنها سترد بحزم على الولايات المتحدة إذا شاركت بشكل مباشر في الحملة العسكرية الإسرائيلية، وفقا لما صرح به السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة في جنيف.
دبلوماسية أم مقدمة لحرب؟
يمكن النظر إلى مهلة الأسبوعين على أنها فرصة حقيقية للدبلوماسية، حيث أكد ترامب أنه “يسعى دائما إلى انتهاج الدبلوماسية”، وقد أشار إلى أن الإيرانيين اقترحوا الحضور إلى البيت الأبيض لإجراء محادثات.
وبإرجاء اتخاذ القرار، يبدو أن ترامب يعزز ثقته في حل دبلوماسي كان قد أشار إليه قبل يوم واحد فقط بأنه بعيد المنال.
وتشير تصريحات ترامب الأخيرة: “لا شيء متأخر جدا”، إلى أنه لا يزال منفتحا أمام خيار التفاوض بالكامل.
من جهة أخرى، يمكن اعتبار المهلة مجرد غطاء للتحضيرات العسكرية الأمريكية. فالتأجيل يمثل نافذة زمنية حيوية تمنح وصول حاملة طائرات أمريكية ثانية الوقت اللازم لتعزيز القوة البحرية، ويسمح أيضا لإسرائيل بتصفية الدفاعات الجوية حول منشآت إيران النووية، مثل فوردو ونطنز، استعدادا لضربات لاحقة.
وقد نقلت “شي إن إن” عن مصادر مطلعة على المحادثات، أن ترامب عقد سلسلة من اجتماعات غرفة العمليات على مدار هذا الأسبوع، مع مستشاريه حول احتمالية أن تتمكن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات من تدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية تحت الأرض بالكامل، ومدة هذه العملية.
فرضية الخداع الاستراتيجي
رأى بعض الخبراء مثل الأدميرال المتقاعد جيمس جي ستافريديس، على شبكة CNN، أن هذا التأخير قد يكون “خدعة ذكية”، هدفها زعزعة احتياط إيران وإقناعها بالتراجع عن التصعيد.
وبحسب ما نقلته “تايمز أوف إسرائيل”، صرح مسؤول إسرائيلي بأن تل أبيب وواشنطن أطلقتا في الأيام الأخيرة قبل الهجمات الإسرائيلية على إيران حملة تضليل إعلامية معقدة الأوجه، هدفها الرئيسي إقناع إيران بأن ضربة عسكرية على منشآتها النووية ليست وشيكة.
وأكد المصدر أن الرئيس الأمريكي كان مشاركا فعالا في هذه الخطة، وكان على علم كامل بالعملية منذ أن قرر نتنياهو المضي قدما في تنفيذ الضربة يوم الاثنين الماضي.
تبقى مهلة الأسبوعين التي منحها ترامب لإيران محاطة بالغموض والتساؤلات حول أهدافها الحقيقية، فبينما تشير التصريحات الرسمية إلى أنها فرصة للدبلوماسية، تكشف التحركات العسكرية المتزامنة عن استعدادات لاحتمال التصعيد.
وبين رهانات التصعيد واحتمالات التراجع، يبدو أن إدارة ترامب تسير في مسار مزدوج: التلويح بالحرب من جهة، واستخدام المهلة كغطاء لمواصلة الدعم لإسرائيل من جهة أخرى.
وفي ظل هذه الظروف المعقدة، يبقى السؤال مطروحا: هل ستنجح الدبلوماسية في احتواء الأزمة، أم أن المنطقة مقبلة على مواجهة عسكرية واسعة النطاق؟










