تشهد العلاقات بين أذربيجان وروسيا في الأيام الأخيرة أزمة متصاعدة وغير مسبوقة، وسط تبادل الاعتقالات وخطوات تصعيدية من الطرفين، ما دفع مراقبين للحديث عن تحوّل لافت في السياسة الإقليمية والقوقازية، بحسب ما أوردته وسائل إعلام أذربيجانية وروسية
ففي باكو، نشرت وكالة الأنباء الأذربيجانية (APA) لقطات جديدة من داخل قاعة المحكمة، تُظهر محاكمة عدد من المواطنين الروس الذين تمّ توقيفهم مؤخرًا بتهم مرتبطة بتمويل أجنبي غير مشروع ومخالفات مالية، بينهم موظفون بارزون في مكتب وكالة «سبوتنيك أذربيجان» التابعة لمؤسّسة «روسيا اليوم». وقد صدر بحق بعضهم قرارات بالحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى أربعة أشهر، فيما تؤكّد السلطات الأذربيجانية أنّ القضية تتعلق بانتهاكات قانونية خطيرة تمسّ السيادة والأمن الوطني.
وتعود جذور الأزمة إلى ما جرى قبل أيام في مدينة يكاترينبرغ الروسية، حيث نفّذت الشرطة الفيدرالية الروسية مداهمات واسعة طالت عشرات المواطنين الروس من أصول أذربيجانية، على خلفية تحقيق في جريمة قتل قديمة. وأسفرت تلك الحملة عن وفاة الأخوين زيادين وحسين صفرين أثناء توقيفهما، بعد تعرضهما، وفق رواية باكو، لاعتداء جسدي شديد أدى لإصابات قاتلة شملت كسورًا في الأضلاع ونزيفًا دماغيًا. في المقابل، نفت موسكو وجود تعذيب، وذكرت أنّ أحد المتوفين قضى بسبب فشل قلبي حاد، بينما ما زال سبب وفاة الآخر قيّد التحقيق الرسمي.
ورفضت أذربيجان هذه التبريرات، واعتبرت أنّ ما حدث “قتل متعمّد بدوافع عنصرية”، واستدعت السفير الروسي في باكو للاحتجاج رسميًا. كما ألغت زيارة مقرّرة لنائب رئيس الوزراء الروسي، وأوقفت فعاليات ثقافية وفنية كانت مقرّرة في إطار التعاون الثنائي، في إشارة إلى أنّ الأزمة تجاوزت كونها مجرد حادثة جنائية لتتحوّل إلى خلاف سياسي حاد.
من جهتها، ردّت موسكو باستدعاء السفير الأذربيجاني، وقدّمت مذكرة احتجاج على توقيف الصحفيين والعاملين في “سبوتنيك أذربيجان”، معتبرةً أنّ هذه الإجراءات “غير مبرّرة” وتشكل تهديدًا لحرية الإعلام والعلاقات الثنائية.
ويرى مراقبون أنّ هذا التوتر يعكس توجهًا جديدًا في سياسة أذربيجان الخارجية، يتمثّل في تقليل الاعتماد على موسكو سياسيًا واقتصاديًا، وبرز ذلك في تقارب باكو المتزايد مع كييف، وإلغاء مشاركتها في فعاليات روسية مرتبطة بيوم النصر، ممّا يشير إلى إعادة ترتيب مواقفها في الساحة الإقليمية.
بينما لم تُبدِ أي من العاصمتين استعدادًا واضحًا لخفض التوتر، يبقى الموقف مفتوحًا على مزيد من التصعيد أو محاولات التهدئة في الكواليس، وسط متابعة حثيثة من المجتمع الدولي لما يمكن أنّ تسفر عنه هذه الأزمة غير المسبوقة بين البلدين.










