بعد اندلاع حريق سنترال رمسيس بالعاصمة المصرية القاهرة، أعاد المصريين تداول تسريبات صوتية نادرة للرئيس الأسبق حسني مبارك نشرت في عام 2013، عن تفاصيل مثيرة حول محاولات أمريكية لاختراق منظومة الاتصالات المصرية من خلال مشروع تطوير سنترال رمسيس.
وفقا لهذه التسريبات، طلبت الولايات المتحدة من مصر السماح لها بربط جميع سنترالات القاهرة بسنترال رمسيس في إطار ما أطلق عليه “منحة لتطوير البنية التحتية للاتصالات”. وقد عرض هذا المشروع على وزير الاتصالات المصري في ذلك الوقت، والذي أبدى حماسا للفكرة لأن الأمريكيين قالوا إنهم سيقومون بتنفيذها “مجانا”.
موقف المؤسسة العسكرية والتحذيرات الأمنية
لعبت المؤسسة العسكرية المصرية بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي دورا محوريا في كشف خطورة هذا المشروع، حيث حذرت القوات المسلحة من أن نجاح هذا المخطط قد يجعل البلاد عرضة لانهيار كامل في حالة أي اختراق أو عطل يصيب السنترال المركزي، وهو ما اعتبر تهديدا مباشرا للأمن القومي.
وبحسب التسريبات، فإن الخبراء العسكريين أوضحوا لمبارك أن هذا المشروع يعني أن الأمريكان سيقدرون على إصابة الاتصالات في مصر كلها بالشلل، حيث أن توقف سنترال رمسيس وحده سيؤدي إلى تعطيل شامل في جميع المحافظات.
مواجهة مبارك مع وزير الاتصالات
عندما علم الرئيس مبارك بالمشروع من القوات المسلحة، استدعى وزير الاتصالات فورا للتحقيق في الأمر.
وبحسب تسريباته: “جبت وزير الاتصالات وقلت له: معنى ذلك أنك علشان تطلب أي مكالمة لازم تعدي المكالمة على سنترال رمسيس”.
عندما أكد الوزير أن الأمريكيين سيقومون بالعمل مجانا، رد مبارك بحزم: “أوعى توافق، فأجاب: بس همه وصلوا الجيزة خلاص بسنترال رمسيس فقلت: كفاية الجيزة وزحلقهم بهدوء كده، وفعلا زحلقناهم”.
الخطة الأمريكية الشاملة للتجسس
لم يكن مشروع ربط السنترالات المحاولة الوحيدة، بل كان جزءا من خطة أمريكية شاملة لاختراق الأنظمة المصرية. فقد كشف مبارك أن الأمريكيين طلبوا أيضا الشبكة الإلكترونية للقوات المسلحة، وحاولت الولايات المتحدة إقامة شبكة إلكترونية للقوات المسلحة المصرية، لكن مبارك رفض وقال لوزير الدفاع: “زحلقهم بهدوء” لأنه فهم أن الغرض هو جعل الشاشة في إسرائيل وأمريكا.
طلب تردد FM للتجسس
في عام 2006 أو 2007، طلب الأمريكيون تردد FM للقاهرة الكبرى، وعندما رفض وزير الإعلام بحجة أن القانون لا يسمح، جاء السفير الأمريكي لمبارك وهدد بتجميد 270 مليون دولار من المعونة.
رد مبارك بقوة: “خليهم عندكم.. مش عايزينهم”، وبعد 15 يوما أرسلت أمريكا الأموال المجمدة. وأكد مبارك أنهم “كانوا عايزين تردد الـFM علشان التجسس ومراقبة كل شيء”.
القواعد العسكرية والضغوط الأمريكية
تكشف التسريبات أيضا عن محاولات أمريكية مستمرة لإقامة قواعد عسكرية في مصر. فقد واجه مبارك ضغوطا مكثفة من وزير الدفاع المشير عبد الحليم أبو غزالة الذي وافق على إقامة قاعدة في بلبيس بالشرقية مقابل 200 مليون دولار.
غضب مبارك من أبو غزالة وقال له: “200 مليون ايه اللي تتكلم عليها طراب البلد دي ما يسووش ملايين الدنيا”، مؤكدا أن إقامة أي قاعدة عسكرية تحتاج موافقة البرلمان واستفتاء شعبي.
تأثير الرفض على الأمن القومي المصري
ثبت أن رفض مبارك لهذه المشاريع كان قرارا استراتيجيا صحيحا. فحادث حريق سنترال رمسيس الأخير في يوليو 2025 أظهر مدى خطورة الاعتماد على نقطة مركزية واحدة، حيث أدى إلى تعطيل 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية، وانقطاع خدمات الإنترنت والمحمول في مناطق واسعة
وكذلك تأثر الخدمات المصرفية والحكومية، وتعليق جلسة التداول بالبورصة المصرية
الإرث الأمني
يؤكد خبراء الأمن القومي أن قرار مبارك بحماية البنية التحتية للاتصالات من التدخل الأجنبي كان بمثابة درع واق للأمن القومي المصري. فلو تم تنفيذ المشروع الأمريكي، لكانت مصر الآن تحت رحمة التجسس والتحكم الخارجي في أهم منظومة حيوية.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 30% من حركة الإنترنت العالمية تمر عبر مصر، مما يجعل السيطرة على سنترالاتها هدفا استراتيجيا للقوى الكبرى.
بطولة الحفاظ على السيادة
تكشف هذه الوقائع عن معركة خفية خاضها الرئيس مبارك والمؤسسة العسكرية المصرية للحفاظ على السيادة التكنولوجية للبلاد. ورغم الضغوط الاقتصادية والتهديدات بتقليل المعونة، تمسك مبارك بموقفه الرافض لأي تدخل أجنبي في الأنظمة الحيوية للدولة.
هذا الموقف الحازم يذكر اليوم كدرس مهم في أهمية حماية البنية التحتية الرقمية من التدخلات الخارجية، خاصة في عصر الحروب السيبرانية والتجسس الإلكتروني، حيث يمكن لدولة واحدة أن تشل دولة بأكملها بضغطة زر واحدة.










