فوز الكاتبة السودانية البريطانية ليلى أبو العلا بجائزة بن بنتر البريطانية 2025
إنجاز أدبي استثنائي يتوج مسيرة إبداعية متميزة
حققت الكاتبة السودانية البريطانية ليلى أبو العلا إنجازاً أدبياً مرموقاً بفوزها بجائزة بن بنتر البريطانية المرموقة لعام 2025، لتنضم إلى قائمة مرموقة من الكتاب العالميين الذين حازوا على هذا التكريم المتميز.
يأتي هذا الفوز تتويجاً لمسيرة أدبية حافلة بالإنجازات امتدت لأكثر من ربع قرن، ترك خلالها أثراً عميقاً في المشهد الأدبي العالمي من خلال أعمالها التي تستكشف قضايا الهوية والهجرة والروحانية الإسلامية.
تفاصيل الجائزة والإعلان الرسمي
أُعلن عن فوز ليلى أبو العلا بجائزة بن بنتر خلال حفل الصيف السنوي لمؤسسة “إنجليش بن” في لندن يوم الأربعاء 10 يوليو 2025.
وصفت لجنة التحكيم أعمال الكاتبة بأنها تقدم “منظوراً دقيقاً وثرياً حول موضوعات حيوية في عالمنا المعاصر: الإيمان والهجرة والنزوح”.
ستتسلم أبو العلا الجائزة رسمياً في حفل سيُقام في المكتبة البريطانية بلندن في 10 أكتوبر 2025، حيث ستعلن أيضاً عن اختيارها لـ”كاتب الشجاعة” الذي سيتقاسم معها التكريم.
نبذة عن ليلى أبو العلا: رحلة من الخرطوم إلى العالمية
البدايات والتكوين الأكاديمي
وُلدت ليلى فؤاد أبو العلا عام 1964 في القاهرة لأب سوداني وأم مصرية، وانتقلت في عمر ستة أسابيع إلى الخرطوم حيث نشأت وترعرعت. تلقت تعليمها في مدرسة الخرطوم الأمريكية، ثم التحقت بجامعة الخرطوم حيث حصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والإحصاء عام 1985.
واصلت دراساتها العليا في كلية لندن للاقتصاد حيث حصلت على درجة الماجستير في الإحصاء. في عام 1990، انتقلت إلى اسكتلندا للعمل كمحاضرة ومساعدة باحث في مدينة أبردين، وهناك بدأت رحلتها الأدبية.
التحول من الأكاديمية إلى الأدب
شكلت تجربة الهجرة والعيش بين ثقافتين نقطة تحول في حياة أبو العلا، حيث واجهت تحديات الاندماج والحفاظ على الهوية الإسلامية في مجتمع غربي علماني. هذه التجربة الشخصية أصبحت المنبع الأساسي لإلهامها الأدبي، حيث قررت التعبير عن تجارب المهاجرين المسلمين من خلال الكتابة.
مسيرة أدبية حافلة بالإنجازات
الروايات الرئيسية وتطور الأسلوب
بدأت أبو العلا مسيرتها الأدبية برواية “المترجمة” (The Translator) عام 1999، والتي وُضعت ضمن قائمة أفضل 100 كتاب للعام في نيويورك تايمز. تحكي الرواية قصة سمار، الأرملة السودانية التي تعمل مترجمة في جامعة اسكتلندية وتقع في حب أستاذ اسكتلندي، مما يضعها أمام تحدي التوفيق بين الحب والإيمان.
تلتها رواية “المئذنة” (Minaret) عام 2005، التي تروي قصة فتاة من الطبقة العليا السودانية تجد نفسها في المنفى بلندن بعد انقلاب عسكري، وكيف تجد القوة والعزاء في الإيمان. هذه الرواية أكدت موقع أبو العلا كصوت مهم في الأدب العالمي المعاصر.
في عام 2010، نشرت رواية “حارة المغنى” (Lyrics Alley) المستوحاة من حياة عمها الشاعر السوداني حسن عوض أبو العلا، والتي فازت بجائزة الكتاب الاسكتلندي. تستكشف الرواية السودان في خمسينيات القرن العشرين تحت الاستعمار البريطاني.
أحدث الأعمال: “روح النهر العتيق”
في عام 2023، أصدرت أبو العلا روايتها السادسة “روح النهر العتيق” (River Spirit)، والتي تستكشف فترة تاريخية حاسمة في السودان خلال الثورة المهدية في القرن التاسع عشر. تحكي الرواية قصة أكواني، الفتاة اليتيمة التي تنشأ وسط الصراع بين الحكم العثماني والحركة المهدية والاستعمار البريطاني.
وصف الناقد عبدالرازق غورنه، الحائز على جائزة نوبل للآداب، الرواية بأنها تتميز بـ”التعاطف والبصيرة الاستثنائية”. كما أشاد النقاد بقدرة أبو العلا على إعادة تصوير السودان وثقافته الإسلامية بعيداً عن الصور النمطية الغربية.
الجوائز والتقديرات العالمية
جائزة كين: البداية المرموقة
حققت أبو العلا أول إنجاز عالمي كبير عام 2000 عندما فازت بجائزة كين للكتابة الأفريقية عن قصتها “المتحف” (The Museum)، لتصبح أول فائزة بهذه الجائزة المرموقة. القصة، التي تدور أحداثها في جامعة اسكتلندية، تصور قصة حب بين طالب بريطاني وطالبة عربية لم يُكتب لها النجاح بسبب الاختلاف الثقافي.
تقديرات متنوعة ومستمرة
حصلت أعمال أبو العلا على ترشيحات لجوائز مرموقة متعددة، منها ثلاث ترشيحات للقائمة الطويلة لجائزة أورانج (المرأة للخيال حالياً). كما فازت مجموعتها القصصية “الوطن مكان آخر” (Elsewhere, Home) بجائزة سالتير للخيال عام 2018.
نالت رواية “حارة المغنى” جائزة الكتاب الاسكتلندي وترشحت للقائمة النهائية لجائزة كتاب الكومنولث الإقليمي. هذا التنوع في التقديرات يعكس الاعتراف الواسع بموهبتها الأدبية عبر مختلف المؤسسات الثقافية.
جائزة بن بنتر: تاريخ وأهمية
تأسيس الجائزة وأهدافها
تأسست جائزة بن بنتر عام 2009 من قبل مؤسسة “إنجليش بن” لإحياء ذكرى الكاتب المسرحي هارولد بنتر (1930-2008)، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2005. تُمنح الجائزة سنوياً لكاتب مقيم في المملكة المتحدة أو جمهورية أيرلندا أو الكومنولث.
تهدف الجائزة إلى تكريم الكتاب الذين يوجهون، بكلمات بنتر نفسه من خطاب نوبل، “نظرة ثابتة لا تتزعزع على العالم” ويُظهرون “عزماً فكرياً شرساً… لتحديد الحقيقة الفعلية لحياتنا ومجتمعاتنا”.
تفرد الرؤية الأدبية لليلى أبو العلا
تجديد صورة المرأة المسلمة
يرى النقاد البريطانيون أن أبو العلا نجحت في تقديم صورة مختلفة ومتجددة عن المرأة المسلمة في أدبها. فبطلاتها لا يجدن القوة في الهروب من الدين، بل في التمسك به والعثور على الملاذ والقوة فيه، خلافاً للسائد في الأعمال الأدبية الحديثة.
هذا التناول الفريد جعل من أبو العلا صوتاً مميزاً في الأدب العالمي، حيث تنجح في إبراز التعقيدات النفسية والروحية للشخصيات المسلمة دون الوقوع في فخ التنميط أو التبسيط.
الجسر بين الثقافات
تتميز أعمال أبو العلا بقدرتها على بناء جسور فهم بين الثقافة الإسلامية والغربية. من خلال شخصياتها المعقدة والمتنوعة، تقدم للقارئ الغربي نافذة على العالم الإسلامي بعيداً عن الصور النمطية السائدة، بينما تمنح القارئ العربي والمسلم فرصة لرؤية تجربة الاغتراب والبحث عن الهوية في المهجر.
اللغة والأسلوب الأدبي
الكتابة بالإنجليزية: خيار واع
تفسر أبو العلا اختيارها الكتابة بالإنجليزية بقولها: “درست كل مراحلي التعليمية باللغة الإنجليزية، ومعظم قراءاتي كانت بهذه اللغة، ولذلك فإن معرفتي بالإنجليزية أجود من معرفتي باللغة العربية”. هذا الخيار مكنها من الوصول إلى جمهور عالمي أوسع وترجمة أعمالها إلى خمسة عشر لغة عالمية.
التقنيات السردية المتطورة
تتميز كتابات أبو العلا بالنضج الفني واستخدام تقنيات سردية متطورة تتناسب مع طبيعة الحكايات التي تعالجها. تنوع أصواتها السردية وتعدد وجهات النظر في رواياتها يعكس عمق فهمها لتعقيدات التجربة الإنسانية في سياقاتها الثقافية والاجتماعية المختلفة.
الترجمات والانتشار
تُرجمت أعمال أبو العلا إلى خمسة عشر لغة عالمية، مما يعكس الاهتمام الدولي المتزايد بأدبها. في العالم العربي، تولى مترجمون بارزون مثل الخاتم عدلان وبدر الدين الهاشمي ترجمة رواياتها إلى العربية.
التأثير الأكاديمي والثقافي
أدرجت أعمال أبو العلا في المناهج الجامعية والبرامج الثقافية المدعومة من المجلس الثقافي البريطاني. كما بثت إذاعة BBC العديد من قصصها القصيرة ومسرحياتها الإذاعية، مما وسع من دائرة تأثيرها.
ردود الفعل على فوزها بجائزة بن بنتر
تصريحات الكاتبة
عبرت أبو العلا عن مفاجأتها وسعادتها بالفوز قائلة: “بالنسبة لشخص مثلي، مسلمة سودانية مهاجرة تكتب من منظور ديني تستكشف حدود التسامح العلماني، فإن هذا الاعتراف يبدو مهماً حقاً. إنه يجلب التوسع والعمق لمعنى حرية التعبير وحول القصص التي تُسمع”.
أصداء نقدية إيجابية
أشادت روث بورثويك، رئيسة لجنة التحكيم، بأعمال أبو العلا قائلة: “كتابة ليلى أبو العلا استثنائية في نطاقها وحساسيتها. من القصص القصيرة الثمينة إلى الروايات الرقيقة، تحكي لنا قصصاً نادراً ما تُسمع تجعلنا نفكر من جديد في من يعيش في أحيائنا ومجتمعاتنا”.
وصفت الشاعرة مونا أرشي أعمال أبو العلا بأنها “تقدم منظوراً دقيقاً وثرياً حول موضوعات حيوية في عالمنا المعاصر: الإيمان والهجرة والنزوح”.










