بدء فعالية تسليم حزب العمال الكردستاني لسلاحه في كهف جاسنة بالسليمانية: نهاية حقبة الصراع المسلح
في تطور تاريخي مفصلي يُعيد تشكيل الخريطة الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط، شهد كهف جاسنة في السليمانية اليوم الجمعة 11 يوليو 2025، بداية عملية تسليم السلاح الرسمية لحزب العمال الكردستاني (PKK). هذا الحدث التاريخي يضع نهاية لأكثر من أربعة عقود من الصراع المسلح بين الحزب والدولة التركية، ويفتح صفحة جديدة في العلاقات الكردية التركية.
السياق التاريخي: من النشأة إلى القرار التاريخي
تأسيس حزب العمال الكردستاني ونشأة الصراع
تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 على يد عبد الله أوجلان كحركة انفصالية تسعى لإقامة دولة كردية مستقلة في تركيا.
وبدأ الصراع المسلح رسمياً في 15 أغسطس 1984، مما أدى إلى نزاع دموي استمر لأكثر من 40 عاماً وأسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص.
وتطور الحزب من منظمة ماركسية لينينية في بداياته إلى حركة تنادي بالحكم الذاتي الديمقراطي، وهو تحول فكري انعكس في استراتيجياته السياسية والعسكرية على مر العقود.

رسالة أوجلان التاريخية: دعوة السلام من إمرالي
في 27 فبراير 2025، وجه عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة إمرالي رسالة تاريخية حملت عنوان “دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي”. تضمنت الرسالة دعوة صريحة لحل الحزب وإلقاء السلاح، حيث قال: “يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”.
أكد أوجلان في رسالته أن الحزب “أنهى أجندته الانفصالية”، واصفاً هذا التحول بـ”النصر التاريخي” الذي يفتح الباب أمام مرحلة سياسية جديدة قائمة على الديمقراطية وسيادة القانون.

التفاصيل الكاملة لمراسم تسليم السلاح
موقع المراسم: كهف جاسنة التاريخي
تجري مراسم تسليم السلاح في كهف جاسنة الواقع في منطقة سورداش شمال غربي مدينة السليمانية. يقع الكهف على بعد 50 كيلومتراً شرق السليمانية على طريق السليمانية-دوكان، ويحمل أهمية تاريخية خاصة كونه كان ملجأ الزعيم الكردي محمود الحفيد البرزنجي عام 1923.
من هذا الكهف أصدر البرزنجي العدد الأول من صحيفة “صوت الحق” (بانگی حەق) عام 1923، مما يضفي رمزية تاريخية خاصة على اختياره كموقع لهذا الحدث المفصلي.

تفاصيل العملية والمشاركون
يشارك في المراسم حوالي 30-40 مقاتلاً من حزب العمال الكردستاني بقيادة أحد القادة، حيث يقومون بحرق أو كسر أسلحتهم كبادرة حسن نية. تُعتبر هذه العملية الخطوة الأولى الرمزية ضمن خطة شاملة لنزع السلاح تمتد لعدة أشهر.
تشرف على العملية لجنة مختلطة تضم ممثلين عن الاستخبارات التركية، مسؤولين من الجيش التركي، ممثلين عن حكومة بغداد، مسؤولين من حكومة إقليم كردستان،و أعضاء من اللجنة التنفيذية للحزب، ونواب من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب.

الإجراءات الأمنية والتدابير الاحترازية
اتُخذت تدابير أمنية مشددة خلال المراسم، حيث منع البث المباشر لأسباب أمنية، وعدم السماح للصحفيين بدخول موقع الحدث، تحليق مروحيات عسكرية فوق المنطقة
انتشار آليات القوات الأمنية على الطرقات المحيطة
الجدول الزمني الشامل لعملية نزع السلاح
المراحل المخططة والتوقيتات
تتم عملية نزع السلاح وفق جدول زمني محدد:
المرحلة الأولى (يوليو 2025): تسليم رمزي للسلاح في كهف جاسنة.
المرحلة الثانية (أغسطس-سبتمبر 2025): تسليم تدريجي للأسلحة في مواقع محددة
المرحلة النهائية (سبتمبر 2025): اكتمال عملية نزع السلاح بالكامل
قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك أن العملية ستكتمل في غضون 3-5 أشهر، محذراً من أن تجاوز هذه المدة قد يعرضها “للاستفزازات”.

آلية التسليم والتحقق
تتضمن آلية تسليم السلاح إنشاء قاعدة بيانات شاملة بالأسلحة، وتحديد نقاط تسليم في الدول المختلفة، وحضور مسؤولين من المخابرات التركية، وتسجيل بيانات الأسلحة ومصادرها، والتحقق والإبلاغ للمؤسسات التركية
التطورات السياسية وردود الفعل
الموقف الرسمي التركي: مبادرة “تركيا خالية من الإرهاب”
رحب الرئيس رجب طيب أردوغان بالخطوة ضمن مبادرة “تركيا خالية من الإرهاب”. صرح أردوغان قائلاً: “ندخل مرحلة جديدة سنتلقى فيها أخباراً إيجابية في الأيام المقبلة، ونأمل أن تنتهي هذه العملية بنجاح دون أي حوادث أو محاولات تخريب”.

تهدف المبادرة إلى تحقيق السلام الشامل وإنهاء عقود من الصراع المسلح، مع التركيز على الدمج السياسي والاجتماعي للقضية الكردية ضمن الإطار الديمقراطي التركي.
الاستجابة الكردية والتطلعات المستقبلية
يأمل الأكراد في تركيا، الذين يشكلون نحو 20% من السكان، أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام: تسوية سياسية شاملة مع أنقرة، وتوسيع الحقوق الثقافية والسياسية، ودمج أكبر في العملية الديمقراطية، وإنهاء سياسات التهميش التاريخية
التأثير الإقليمي والدولي
من المتوقع أن يكون لهذا التطور تأثير واسع على المنطقة:
في سوريا: إعادة تقييم وضع الوحدات الكردية (YPG) المرتبطة بالحزب
في العراق: تخفيف التوترات الحدودية وتعزيز التعاون الأمني
على المستوى الدولي: إمكانية رفع الحزب من قوائم الإرهاب تدريجياً
التحديات والمخاطر المحتملة
التحديات الأمنية الفورية
رغم الأجواء الإيجابية، تواجه العملية تحديات أمنية:
هجمات بالمسيرات: في الساعات السابقة للمراسم، أُسقطت مسيرتان قرب مواقع البيشمركة
مخاطر التخريب: احتمالية قيام جهات معارضة بتقويض العملية
التحديات اللوجستية: صعوبة تأمين المناطق الجبلية النائية
المطالب السياسية والضمانات القانونية
يطالب الحزب والأطراف الكردية بضمانات تشمل:
تشكيل لجنة برلمانية للإشراف على العملية
إقرار تعديلات دستورية تضمن الحقوق الكردية
آليات قانونية لحماية المستسلمين
برامج إعادة تأهيل ودمج اجتماعي
التعامل مع المقاتلين المستسلمين
تتضمن خطة التعامل مع المقاتلين:
الفئة الأولى (60% من المقاتلين): لم تُسجل بحقهم جرائم – إطلاق سراح مباشر بعد أخذ الإفادات
الفئة الثانية: مقاتلون بجرائم بسيطة – عقوبات مخففة وفق القوانين الحالية
الفئة الثالثة: القيادات المطلوبة دولياً (30 شخصاً) – عدم السماح بالعودة










