تباينت مواقف الزعامات الروحية لطائفة الموحدين الدروز في سوريا تجاه اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن التوصل إليه في محافظة السويداء، في ظل اشتباكات عنيفة بين مسلحين دروز وعشائر بدوية، وأحداث دامية أوقعت مئات القتلى والجرحى، وترافقت مع غارات إسرائيلية استهدفت العاصمة دمشق وجنوب البلاد.
اتفاق برعاية مشايخ وقبول مشروط
في خطوة لاحتواء التصعيد، أعلن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، يوسف جربوع، اليوم الأربعاء 16 يوليو/تموز، عن التوصل إلى اتفاق مع السلطات السورية يتضمن 14 بندا لوقف إطلاق النار، مؤكدا أنه يدخل حيز التنفيذ “فورا”.
يتضمن الاتفاق وقف فوري وشامل للعمليات العسكرية، التزام جميع الأطراف بعدم التصعيد، نشر حواجز من الأمن الداخلي والشرطة من أبناء السويداء، تشكيل لجنة مشتركة من الدولة والمشايخ لمراقبة تنفيذ الاتفاق، احترام حرمة المنازل والممتلكات الخاصة.
وكذلك تنظيم السلاح الثقيل خارج إطار الدولة بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.
وفي مقابلة تلفزيونية، قال جربوع إن ما يجري في السويداء “يرقى إلى محاولة تطهير عرقي”، محملا المجموعات المسلحة غير المنضبطة مسؤولية الفوضى والدمار، ومؤكدا في الوقت نفسه حرصه على وحدة الدولة السورية. وأوضح أن منزله تعرض لقصف، وطالب بانسحاب القوات الحكومية من الأحياء السكنية كضمانة لحسن النية.
رفض حاسم من الشيخ حكمت الهجري والرئاسة الروحية
وعلى النقيض تماما، أعلن الزعيم الروحي البارز الشيخ حكمت الهجري، رفضه الكامل للاتفاق، ووصفه بـ”غير الشرعي”، مؤكدا أن “القتال سيستمر حتى تحرير كامل السويداء من العصابات المسلحة التي تسمي نفسها زورا حكومة”.
وفي بيان رسمي، قالت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز إنها:”ترفض أي تفاوض أو تفويض مع هذه العصابات الإرهابية المسلحة الإجرامية”، وتعتبر القتال “واجبا وطنيا وإنسانيا وأخلاقيا لا تهاون فيه”.
وأضاف البيان:”ندعو ما تبقى من هذه العصابات إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم، ونؤكد أنه من يسلم سلاحه فهو في عهدتنا ولن يهان”.
الرئاسة الروحية شددت كذلك على أن أي جهة تنخرط في تفاهمات منفردة ستكون عرضة للمساءلة القانونية والاجتماعية، في إشارة ضمنية إلى تحركات الشيخ جربوع.
اشتباكات مستمرة وغارات إسرائيلية
رغم إعلان وقف إطلاق النار، تجددت الاشتباكات في أحياء السويداء، حيث أعلنت وزارة الدفاع السورية أن “مجموعات خارجة عن القانون خرقت الاتفاق وهاجمت نقاطا للجيش والأمن”.
وفي تطور متزامن، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات عنيفة على العاصمة دمشق والسويداء، مستهدفة محيط هيئة الأركان، القصر الرئاسي، ومواقع حكومية حساسة، في ما وصفته تل أبيب بأنه رد على دعم الجيش السوري “للمليشيات” المتورطة في أحداث السويداء.
وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، صرح قائلا:”سنواصل استهداف القوات السورية حتى تنسحب من السويداء وتكف عن دعم الانتهاكات ضد الدروز”.
موقف دولي مترقب ومصير غير واضح
يبقى المشهد في السويداء غامضا، وسط انقسام درزي غير مسبوق حول جدوى الاتفاق مع الحكومة، ومخاوف من اتساع رقعة العنف في ظل تدخلات إقليمية، وقصف إسرائيلي متكرر، وصمت دولي.
ويطرح المراقبون تساؤلات حول مدى قدرة الأطراف المختلفة على ضبط الميدان، وما إذا كانت الدولة السورية قادرة فعلا على ضمان تنفيذ الاتفاق، في ظل الرفض المعلن من طرف رئيسي في المعادلة الدينية والاجتماعية في جبل العرب.










