شهدت سوريا خلال شهر يوليو/تموز 2025 تصعيدا خطيرا في التوترات الطائفية، حيث اندلعت اشتباكات دموية وأحداث عنف طائفي امتدت من محافظة السويداء جنوب البلاد إلى الجامعات السورية، مستهدفة بشكل خاص أبناء الطائفة الدرزية.
تطورات هذه الأزمة تثير قلقا واسعا من احتمالية انزلاق البلاد نحو صراع طائفي واسع النطاق في ظل الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
بداية الأزمة: حادثة سرقة تشعل المواجهة
في 11 يوليو، وقعت حادثة سرقة على طريق دمشق–السويداء، حيث هاجم أفراد من العشائر البدوية تاجر خضار درزي، أقاموا له حاجزا مؤقتا، سرقوا سيارته وممتلكاته، ثم اقتادوه قسرا إلى منطقة نائية حيث تعرض لإهانات طائفية وتهديدات بالقتل.
في اليوم التالي، اندلعت اشتباكات واسعة في السويداء، وشنت القوات الحكومية الموالية للشرع هجوما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص من الدروز والبدو وعناصر القوات، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، مع تحذيرات من ارتفاع الحصيلة إلى نحو ألف قتيل.
تصاعد الانتقام: دائرة عنف مفتوحة
ردت الجماعات المسلحة الدرزية باعتقال عدد من أفراد العشائر، لتبدأ سلسلة من عمليات الخطف والقتل الانتقامي، تطورت بسرعة إلى مواجهات مسلحة مفتوحة، أثارت موجة نزوح واسعة وتدهورا سريعا في النسيج الاجتماعي.
الجامعات السورية: العنف يمتد إلى الطلاب
شهدت جامعة حلب وغيرها من الجامعات أحداثا طائفية عنيفة. طلاب دروز تعرضوا للاعتداء، والتشهير، والطرد من السكنات الجامعية.
ووقعت الحادثة الأبرز عندما طعن طالب درزي في كلية الهندسة الميكانيكية بسكين، ما أدى إلى إصابته بثلاث جراح عميقة، بينها طعنة اخترقت الرئة.
وسائل التواصل تداولت مشاهد فوضى واعتداءات موثقة، ما أدى إلى نزوح جماعي للطلاب الدروز، حيث وثقت تقارير إعلامية إجلاء 308 طالبا من حلب، كما انسحب آلاف الطلاب من جامعاتهم في محافظات أخرى.
تهديد دروز إدلب وتهجير قسري
امتدت التوترات إلى الشمال الغربي، حيث هددت جماعات مسلحة دروز جبل السماق في ريف إدلب، وأمهلتهم حتى مغرب اليوم لمغادرة قراهم، مهددة بأن من يبقى “يتحمل مسؤولية نفسه”.

يعيش هؤلاء الدروز في 18 قرية، أبرزها: كفتين، معرة الإخوان، كفر بني، وقلب لوزة. من أصل نحو 30 ألفا كانوا يسكنون تلك القرى قبل 2011، لم يبق منهم سوى قرابة 12 ألفا اليوم.
تظاهرات في جرمانا وصحنايا
خرج المئات من دروز جرمانا وصحنايا بريف دمشق في تظاهرات تندد بسلطة الشرع، وتطالب بإسقاط النظام، احتجاجا على ما وصفوه بـ”الجرائم المرتكبة في السويداء”.
بيان المرصد السوري: دعوة للتهدئة
وجه المرصد السوري لحقوق الإنسان رسالة إلى الرئاسة السورية طالب فيها بوقف الإعلام التحريضي، وانتقد ما وصفه بـ”الدور الخطير” لبعض القنوات الرسمية، مشددا على ضرورة حماية التعايش بين الدروز والبدو، ورفض الاستقواء بأي قوى خارجية سواء إسرائيل أو تركيا.
الشيخ حكمت الهجري: موقف حكيم في لحظة فارقة
برز الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري كموقف وطني جامع، إذ دعا إلى الوحدة ونبذ الفتنة، مؤكدا أن الطائفة الدرزية ليست طائفية ولن تكون أداة للفرقة، قائلا:”نرفض الفوضى والقتل، ونتمسك بالحوار، والتسامح، والشراكة الوطنية”.
انسحاب حكومي وتكليف محلي
أمام فشل السيطرة على الأحداث، سحبت الحكومة السورية قواتها من السويداء، وقررت تكليف الفصائل المحلية ومشايخ العقل بإدارة الأمن.
الرئيس أحمد الشرع أكد أن القرار يأتي لـ”حفظ كرامة أهل السويداء”، مع وعود بـ”محاسبة المتجاوزين”، واتهام “بعض المجموعات المسلحة برفض الحوار”. كما أشار إلى تدخل إسرائيلي مرفوض ومحاولات زعزعة أمن الجنوب.
تدخل إسرائيلي وأطماع إقليمية
في تصعيد خطير، شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع للجيش السوري قرب دمشق والسويداء، بحجة “حماية الدروز”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد التزامه بحماية الدروز في سوريا، ما أثار انتقادات سورية واعتبره مراقبون استغلالا للأزمة لتعزيز السيطرة الإسرائيلية في الجولان.
حصيلة إنسانية كارثية
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 500 شخصا وإصابة المئات منذ 13 يوليو. وتشير تقارير أخرى إلى تجاوز عدد القتلى 300–500 شخص من جميع الأطراف.
كما شهد ريف السويداء عمليات تهجير قسري وإعدامات ميدانية بحق العشائر البدوية، وسط انهيار شبه تام للأمن.
أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات
أحداث يوليو 2025 في سوريا تعكس هشاشة الوضع الداخلي، وخطورة الانزلاق نحو صراع طائفي لا يمكن احتواؤه بسهولة.
المطلوب اليوم، بحسب مراقبين، هو تدخل عقلاء سوريا من كل الطوائف، وإيقاف التحريض الإعلامي، وضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وعدم السماح للقوى الإقليمية والدولية باستغلال المأساة السورية لتحقيق مكاسب على حساب الدم السوري.










