وجه المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، دعوة عاجلة لجميع الفصائل المسلحة في البلاد لإلقاء أسلحتها فوراً ووقف الأعمال العدائية، محذراً من التخلي عن دوامة الانتقام القبلي التي تهدد استقرار البلاد. جاءت هذه الدعوة في ظل تصاعد العنف في محافظة السويداء، وبعد أيام من الاشتباكات الدامية التي شهدتها المنطقة بين العشائر البدوية والفصائل المحلية الدرزية.
وأكد باراك في تدوينة على منصة “إكس” أن “سوريا تقف عند منعطف حاسم، ويجب أن يسود السلام والحوار، وأن يسودا الآن”. وشدد على أن الوضع الراهن يتطلب تدخلاً فورياً لمنع انهيار النظام المؤسسي الناشئ في البلاد.
التحول من الطموح إلى الصدمة
أشار المبعوث الأمريكي إلى وجود “طموح هش” كان قائماً بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، وترحيب المجتمع الدولي بالسلطات الجديدة. إلا أن هذا الطموح “طغت عليه الآن صدمة عميقة” وفق تعبيره، نتيجة للأعمال الوحشية التي ترتكبها الفصائل المتحاربة على الأرض.
وأوضح باراك أن قرار ترامب برفع العقوبات كان “خطوة أولية” منحت الشعب السوري فرصة لتجاوز سنوات من المعاناة والفظائع. وأضاف أن “المجتمع الدولي ساند الحكومة السورية الناشئة إلى حد كبير، وراقب بتفاؤل حذر سعيها للانتقال من إرث من الألم إلى مستقبل مشرق”.
رفع العقوبات الأمريكية: فرصة ذهبية أم مهددة؟
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً في يوليو 2025 لإنهاء برنامج العقوبات الأمريكية على سوريا، مما يسمح بإنهاء عزلة دمشق عن النظام المالي العالمي. ووصف باراك هذا القرار بأنه “فرصة شاملة لإعادة تشغيل الاقتصاد السوري”، مشدداً على أن الإدارة الأمريكية تمنح فرصة وليس تبني دولة.
وكان ترامب قد أعلن عن هذا القرار خلال لقائه التاريخي مع الرئيس السوري أحمد الشرع في المملكة العربية السعودية، حيث قال: “الآن حان وقت تألقهم. سنرفعهم جميعاً. حظاً سعيداً يا سوريا”. ويتضمن الأمر التنفيذي مراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، وإمكانية رفع هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
العنف في السويداء يقوض جهود الاستقرار
تأتي تصريحات باراك في أعقاب موجة عنف دموية في محافظة السويداء راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، بعدما شنت عشائر البدو هجمات على المحافظة في محاولة لاقتحامها. وقد وصل عدد القتلى في الاشتباكات إلى 940 شخصاً وفقاً لبعض التقارير، مع نزوح عشرات الآلاف من السكان.
وشهدت المنطقة اشتباكات عنيفة بين مقاتلي العشائر البدوية والفصائل المحلية الدرزية، مما دفع الحكومة السورية لإرسال قوات الأمن الداخلي لضبط الأوضاع. وأعلنت 41 قبيلة وعشيرة مشاركتها في المعارك، مع وصول عشرات الآلاف من المقاتلين الإضافيين من مناطق مختلفة في سوريا والدول المجاورة.
تحديات الدمج العسكري للفصائل
واجهت عملية دمج الفصائل المسلحة في الجيش السوري الجديد تحديات جمة، رغم الإعلانات الرسمية عن إتمام العملية. فقد أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في مايو 2025 عن إنجاز دمج جميع الوحدات العسكرية ضمن وزارة الدفاع، مع منح مهلة 10 أيام للفصائل المتبقية للانضمام.
إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى استمرار وجود فصائل مسلحة خارج السيطرة الحكومية، خاصة في محافظة السويداء والمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق البلاد. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 2351 شخصاً قُتلوا منذ بداية العام الجاري في حوادث عنف مختلفة، مما يكشف استمرار تدهور الوضع الأمني.
الموقف الأمريكي من قسد والفصائل الكردية
أوضح باراك أن “قسد تشعر أن على واشنطن التزاماً تجاهها لكننا لسنا ملزمين إذا لم يكونوا منطقيين”. وحذر التنظيم من أنه “سيواجه مشكلات مع الحكومتين التركية والسورية إذا لم يتحرك بسرعة فيما يتعلق بقضية الاندماج”.
وأشار المبعوث الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لضمان اتخاذ القرار العادل والصحيح، مؤكداً أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا “ليس إلى أجل غير مسمى”. وشدد على أن جوهر القضية هو “ما إذا كان سيتم الوقوف في نفس الصف مع الجمهورية العربية السورية أم لا”.
استراتيجية مكافحة الفصائل غير المندمجة
تعمل وزارة الدفاع السورية بالتنسيق مع تركيا على وضع خطة للتعامل مع الفصائل المسلحة التي لم تلتزم بقرار الاندماج. وتشمل الخطة، في حال تنفيذها، مشاركة واسعة من عناصر الجيش السوري وتنطلق من عدة محاور في شمال شرق سوريا، مدعومة بسلاح الجو التركي.
وتشدد وزارة الدفاع على تفضيلها لخيار حل الفصائل لنفسها والاندماج السلمي مع قوات الجيش السوري قبل اللجوء إلى استخدام القوة. وقد بدأت بعض الفصائل بالفعل في الانضمام طوعياً، بينما تواصل أخرى مقاومة عملية الدمج.
التداعيات الإقليمية والدولية
حذر باراك من أن “الأعمال الوحشية التي ترتكبها الفصائل المتحاربة على الأرض تقوّض سلطة الحكومة وتزعزع أي مظهر من مظاهر النظام”. وأشار إلى أن هذا العنف يهدد بتقويض الجهود الدولية لدعم الانتقال السياسي في سوريا.
وتتابع الولايات المتحدة والدول الإقليمية بقلق التطورات في سوريا، خاصة في ظل المخاوف من عودة الاضطرابات التي قد تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها. ويسعى المجتمع الدولي لدعم الحكومة السورية الجديدة في تطبيق سيادة القانون على كامل الأراضي السورية.
انتشار الأسلحة يثير قلقاً دولياً
أصبحت ظاهرة انتشار السلاح في سوريا مصدر قلق كبير، سواء كان السلاح الذي بحوزة الجماعات المسلحة أو ذلك الذي تركه عناصر النظام السابق قبيل هروبهم. وتبذل الإدارة الجديدة جهودها لجمع الأسلحة من الضباط والمواطنين العاديين، في حين تحتفظ الفصائل المسلحة بتسليحها في انتظار نتائج مباحثات إدماجها.
وتشير التقارير إلى أن الفصائل استولت على كميات هائلة من المعدات العسكرية من مخازن الجيش السوري السابق، بما في ذلك دبابات وناقلات جنود مدرعة وأنظمة مضادة للطائرات. وقد طورت هذه الفصائل قدراتها العسكرية باستخدام طائرات مسيرة محلية الصنع وصواريخ موجهة، مما يزيد من التحديات الأمنية.
دعوات لتطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين
شددت الرئاسة السورية على ضرورة فسح المجال أمام الدولة لبسط سيادتها وتطبيق القانون. وأكدت التزامها بمحاسبة كل من تورط في الجرائم وتجاوز القانون، مصممة على حماية جميع أبناء الشعب السوري دون استثناء.
ودعا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو السلطات في دمشق إلى “محاسبة أي شخص مذنب بارتكاب الفظائع وتقديمه إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها”. وأكد أن السلطات السورية إذا كانت تريد الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وشاملة وسلمية، فعليها المساعدة في إنهاء هذه الكارثة.










