في أعقاب سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية المتواصلة لقيادات حركة حماس، برز اسم عز الدين الحداد كقائد جديد للجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، خلفاً لمحمد السنوار الذي أعلنت إسرائيل اغتياله في مايو 2025. الرجل الملقب بـ”شبح القسام” والذي تصفه “نيويورك تايمز” بأنه أصبح القائد الفعلي للكتائب، يُعتبر من أكثر الشخصيات غموضاً وتأثيراً في الهيكل العسكري للمقاومة الفلسطينية.
من هو عز الدين الحداد؟
عز الدين الحداد، المعروف بكنيته “أبو صهيب”، قائد فلسطيني في منتصف الخمسينات من عمره، ولد ونشأ في مدينة غزة. يشغل حالياً منصب قائد الجناح العسكري لكتائسام، وهو عضو في المجلس العسكري المصغر للكتائب. تحت قيادته تعمل ست كتائب على الأقل بالإضافة إلى كتيبة من القوات الخاصة، مما يجعله من أبرز القادة العسكريين في المقاومة الفلسطينية.
يتحدث الحداد اللغة العبرية بطلاقة، وهو ما أكدته شهادات رهائن إسرائيليين سابقين التقوا به خلال أسرهم، حيث كان يحتفظ بصور الرهائن على هاتفه المحمول ويتواصل معهم مباشرة. هذه المهارة اللغوية جعلته قادراً على المشاركة الفعالة في مفاوضات تبادل الأسرى.
المسيرة العسكرية ونشأة القائد
بدأ الحداد مسيرته في كتائب القسام كمقاتل عادي في لواء غزة، ثم ترقى تدريجياً من قائد سرية إلى قائد كتيبة، وصولاً إلى منصب قائد لواء مدينة غزة. شارك في تأسيس وتنظيم جهاز “مجد” داخل كتائب القسام، وهو الجهاز المسؤول عن ملاحقة العملاء والجواسيس الذين يعملون لصالح إسرائيل، حيث عمل إلى جانب يحيى السنوار في هذا المجال.
خلال العدوان الإسرائيلي على غزة 2008-2009 (معركة الفرقان)، كان الحداد قائداً للكتائب في المنطقة الشرقية من مدينة غزة. وفي حرب 2012 (حجارة السجيل)، شغل منصب قائد لواء جنوب مدينة غزة، بينما تولى في معركة سيف القدس 2021 قيادة قوات المساعدة القتالية العامة في القطاع.
لقب “شبح القسام” ومحاولات الاغتيال
حصل الحداد على لقب “شبح القسام” بسبب قدرته الاستثنائية على التخفي والمراوغة، مما جعل الوصول إليه من قبل الاستخبارات الإسرائيلية مهمة شبه مستحيلة. نجا من ست محاولات اغتيال على الأقل منذ عام 2008، حيث قُصف منزله في حي الشجاعية عام 2009، وتكرر الأمر في أعوام 2012 و2021 و2023.
في نوفمبر 2023، أعلنت إسرائيل عن مكافأة مالية قدرها 750 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اغتياله أو اعتقاله. هذا المبلغ الضخم يعكس مدى أهمية الحداد في الهيكل العسكري للمقاومة ومستوى التهديد الذي يشكله بالنسبة لإسرائيل.
الدور في عملية طوفان الأقصى
لعب عز الدين الحداد دوراً محورياً في التخطيط والتنفيذ لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023. في السادس من أكتوبر، أي قبل يوم واحد من العملية، عقد الحداد اجتماعاً سرياً مع قادة الكتائب التابعة له، ووزع عليهم الأوامر النهائية لتنفيذ الهجوم.
كشف الحداد في مقابلة تلفزيونية أن كتائب القسام اخترقت خوادم الوحدة الاستخبارية الإسرائيلية 8200، واستولت على وثائق خطيرة كشفت خطط العدو لحرب مدمرة على قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر بأيام. وأوضح أن هذه المعلومات أدت إلى اتخاذ قرار تنفيذ عملية استباقية لإفساد المخططات الإسرائيلية.
وفقاً للحداد، كان الهدف من العملية مهاجمة فرقة غزة وتدمير مواقعها وقواعدها، وكذلك استهداف الكيبوتسات في النسق الأول، مع أسر أكبر عدد ممكن من الجنود لتحرير الأسرى الفلسطينيين. العملية نُفذت “بدقة استناداً إلى المناورات التي تدرب عليها المجاهدون”، حيث تزامنت القذائف الصاروخية مع الطائرات المسيرة والوحدات البحرية.
التحديات الشخصية والفقدان
تكبد الحداد خسائر شخصية فادحة خلال الحرب الجارية على غزة. في يناير 2025، استشهد ابنه الأكبر صهيب الحداد في قصف إسرائيلي استهدف حي التفاح شرق مدينة غزة. كما فقد ابناً آخر في أبريل 2024. هذه الخسائر الشخصية عمقت من التزام الحداد بالمقاومة وجعلته أكثر تشدداً في مواقفه تجاه أي تسوية مع إسرائيل.
الموقف من المفاوضات ووقف إطلاق النار
رغم شخصيته البراغماتية نسبياً مقارنة بالأخوين السنوار، يبقى الحداد متمسكاً بالموقف الأساسي لحركة حماس. يشترط في أي تسوية أو صفقة وقف الحرب والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. كما يطالب بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خاصة ذوي الأحكام المؤبدة، ورفع الحصار وإعادة الإعمار.
وفقاً لمسؤول استخبارات شرق أوسطي، صرح الحداد مؤخراً بأنه يسعى إلى “صفقة شريفة” لإنهاء الحرب مع إسرائيل، وإلا فستصبح الحرب “حرب تحرير أو حرب استشهاد”. يستلهم الحداد من تاريخ المقاومة الشيشانية ضد الحكم الروسي في التسعينيات كمثال يُحتذى به للمقاومة في غزة.
التأثير على مستقبل المفاوضات
تشير التقارير إلى أن قرار حركة حماس بخصوص مقترح وقف إطلاق النار يعتمد بشكل كبير على موقف الحداد. يعارض بشدة أي ترتيب ينطوي على إزاحة حماس من السلطة في غزة، مما قد يعقد المفاوضات بشأن حل شامل يتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن.
يرى محللون أن الحداد “العقبة الأخيرة” أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة مع امتلاكه حق النقض بشأن أي اقتراح يُقدم من الوسطاء الدوليين. هذا الموقف يضعه في قلب أي مفاوضات مستقبلية، مما يجعله أحد أهم اللاعبين في تحديد مصير الصراع في غزة.
إعادة بناء القدرات العسكرية
رغم الضربات القاسية التي تعرضت لها حركة حماس، تمكن الحداد من تجنيد آلاف المقاتلين الجدد، بعضهم تلقى تدريباً محدوداً أو اكتفى بمنشورات مكتوبة لشرح استخدام الأسلحة. هذا التطور يشير إلى قدرته على إعادة تنظيم الصفوف العسكرية رغم تراجع القدرات التنظيمية بعد فقدان قيادات الصف الأول.
كُلف الحداد بمسؤولية إعادة بناء البنية التحتية المدنية والعسكرية لحماس خلال فترات الهدوء القصيرة، كما أُسندت إليه مهمة ضمان سلاسة عملية تسليم الأسرى. هذه المسؤوليات تعكس الثقة الكبيرة التي تحظى بها قيادته داخل الحركة.
التحديات المستقبلية
يواجه الحداد تحديات جمة كأحد آخر القادة الميدانيين المتبقين في غزة. الضغط العسكري الإسرائيلي المتواصل، إلى جانب الحاجة لإثبات جدارته القيادية في ظل فقدان معظم القيادات التاريخية للحركة، يضعه أمام اختبار صعب.
من جانب آخر، يُعتبر الحداد رمزاً لاستمرارية المقاومة بعد كل المحاولات الإسرائيلية لتفكيك هيكل حماس العسكري. نجاته المتكررة من محاولات الاغتيال وقدرته على إعادة تنظيم الصفوف تجعله شخصية محورية في مستقبل المقاومة الفلسطينية.










