في خضمّ تصاعد التوترات الميدانية في الساحل السوري ومحافظة السويداء، أطلقت سينم محمد، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في واشنطن، تحذيرات لافتة في مقابلة مطوّلة مع مجلة نيوزويك الأميركية، معتبرة أن ما يجري على الأرض “يثبت فشل سلطة دمشق في السيطرة، ويهدد بانهيار المسار السياسي برمّته”.
وقالت محمد إن مهمة الجيش يجب أن تكون حماية الوطن والمواطنين، لا العكس، مضيفة أن “ما حدث في الساحل وفي السويداء يجعل سلطة دمشق غير جديرة بالثقة”، في إشارة إلى الانفلات الأمني والاشتباكات التي طالت المدنيين خلال الأيام الأخيرة.
اتفاق مهدّد بالتفكك
تأتي هذه التصريحات بينما يشهد اتفاق 10 آذار/مارس، الذي ينص على دمج «قوات سوريا الديمقراطية» ومؤسسات الإدارة الذاتية في أجهزة الدولة التي يقودها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، تعثّرًا واضحًا وسط تزايد الشكوك بشأن التزام دمشق بالاتفاق.
وأكدت محمد أن سلطة الشرع لا تملك السيطرة الفعلية على الجيش أو على العناصر المنفلتة، مشيرة إلى أن الحوادث الأمنية المتكررة “تدفعنا إلى التراجع خطوة إلى الوراء”، بحسب تعبيرها.
رسائل إلى دمشق: لا عودة إلى ما قبل 2011
وشددت ممثلة “مسد” على أن المرحلة تتطلب ضمانات سياسية ودستورية حقيقية، قائلة: “نحتاج الثقة أولًا وقبل كل شيء، ويجب أن تُضمن الحقوق ضمن المشاركة السياسية ودستور شامل.”
وأضافت: “لا أحد يريد أن يرى عاصمته تُقصف من قبل قوى خارجية. على سلطة الشرع أن تدرك أن سوريا لا يمكن أن تعود إلى ما قبل عام 2011.”
كما رفضت سينم محمد ما وصفته بـ”النية المعلنة لحلّ قوات سوريا الديمقراطية بالكامل”، معتبرة أن هذا الخيار “غير ممكن بهذه الطريقة”، مطالبة بتسوية عادلة تضمن دور قسد ضمن هيكل الجيش الوطني المستقبلي.
نحو لا مركزية أو حكم ذاتي؟
أشارت محمد إلى أن “النقاش ليس حول التسمية” بل حول الجوهر، مضيفة: “لا يهم ما الاسم الذي نطلقه: فدرالية، حكم ذاتي، أو لا مركزية… المهم هو ضما خصوصية المجتمعات.”
وأكدت أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تضم “العرب، والسريان، والآشوريين، والأرمن وغيرهم”، مشددة على أن المطالب لا تخص الأكراد فقط.
واختتمت بالقول “عندما نشعر بالأمان، لن نحتاج إلى جيوش ضخمة. وفي كل الأحوال، ستكون تلك القوات جزءًا من الجيش السوري العام.”
اتفاق 10مارس
الاتفاق الذي وُقِّع بدمشق برعاية أمريكية وأوروبية ينصّ على ثمانية بنود رئيسة، أهمّها:
اندماج قسد في الجيش السوري «كقوة محترفة» وفق ترتيبات زمنية تنتهي نهاية 2025.
ضمان حقوق المواطنة لكافة المكوّنات، وعلى رأسها الكرد.
إعادة مؤسسات النفط والغاز والمعابر إلى سلطة الحكومة المركزية مقابل نسبة من العائدات للمجالس المحلية.
وقف شامل لإطلاق النار وتشكيل لجان مشتركة لمراقبته.
غير أنّ دمشق تطالب بحلّ قسد «حلًّا كاملًا» ودمج عناصرها أفرادًا، لا ككتلة عسكرية شبه مستقلّة، وترفض الإشارة إلى أي شكل من أشكال الفيدرالية أو الحكم الذاتي. في المقابل، تتمسّك قسد والإدارة الذاتية بنموذج لا مركزي يضمن «خصوصية» شمال وشرق سوريا سياسيًا وعسكريًا، وترفض التخلّي عن هيكليتها الحالية قبل بناء ثقة دستورية وقانونية متبادلة.
موجة العنف الأخيرة: الساحل أولًا ثم السويداء
مجزرة الساحل (6–9 آذار/مارس 2025)
هجوم مباغت لفلول موالية للنظام السابق على حواجز أمنية، خلّف 238 قتيلًا من القوات الحكومية.
ردّ فعل جماعي: نحو 200,000 مسلح تدفّقوا إلى محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
حصيلة نهائية: 1,426 قتيلًا؛ 90 منهم نساء؛ معظمهم مدنيون علويون.
لجنة تقصّي حقائق مستقلة قدّمت تقريرًا لدمشق؛ خلصت إلى «انفلات جزئي» للقوات لكن دون أوامر قيادية مباشرة بالقتل.
اشتباكات السويداء (منذ 13 تموز/يوليو 2025)
اندلعت بين فصائل درزية محليّة وعشائر بدوية، ثمّ تدخّلت وحدات من الجيش وميليشيات موالية له.
مقتل أكثر من 1300 شخص خلال عشرة أيّام، بينهم أميركي من أصول درزية أُعدم ميدانيًا.
الأمم المتحدة أعربت عن «قلق عميق» ودعت لحماية المدنيين وفتح ممرات إنسانية.
إسرائيل نفّذت غارات على مواقع حكومية قرب السويداء «حمايةً للدروز» ما صعّد التوتّر الإقليمي
انقسام الشارع السوري وتحدّيات ما بعد الأسد
المجازر الطائفية، بحسب محللين، تُعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانتقام المتبادل وتضع شرعية السلطة الانتقالية على المحك. الباحث كارستن فيلاند يرى أنّ «كثيرًا من السوريين باتوا يشكّكون في قدرة الدولة على ضبط قواتها».
هل تنهار الثقة أم تولد من رحم التحقيق؟
تتفق غالبية الأطراف السورية على أنّ اللامركزية المنظَّمة قد تكون المخرج الوحيد لوضع حدّ لجولات الانتقام الطائفي. لكن من دون مساءلة قضائية شفافة عن فظائع الساحل والسويداء، ستبقى دعوات سينم محمد إلى «الثقة أولًا» صرخة في فراغ. الخطوة التالية ــ تشكيل هيئة قضائية مختلطة بإشراف أممي وبدعم واشنطن وموسكو ــ ستبيّن ما إذا كان مسار الدمج والتهدئة قابلًا للحياة أم أنّ سوريا تتجه نحو فصل جديد من الفوضى.










