في خطوة وصفت بأنها “ثورية”، أعلن مجموعة من أبناء محافظة السويداء، جنوبي سوريا، عن تأسيس “الإدارة الذاتية لإقليم جبل العرب”، مؤكدين أن هذه الخطوة جاءت “لاستعادة القرار وكرامة الإنسان”، بحسب ما ورد في البيان الرسمي الصادر بتاريخ 21 تموز/يوليو 2025، والذي حمل توقيع “الإدارة الذاتية لإقليم جبل العرب – السويداء”.
وأكد الموقعون أن هذه الإدارة “تمثل إرادة الشعب في السويداء، وترتكز على قيم التعددية وحقوق الإنسان والحكم المدني”، مشددين على رفضهم لأي وصاية أو سلطة ديكتاتورية، كما توجه البيان بتحية لـ”رجال الكرامة”، مؤكدا أن “سلاحهم في وجه كل معتد، لا في وجه الأخوة”، معتبرين هذه المبادرة “جزءا من مشروع وطني جامع لكل السوريين”.
ورغم انتشار البيان بشكل واسع على وسائل الإعلام ومنصات التواصل، إلا أن الصفحة الرسمية للمجلس العسكري في السويداء لم تصدر أي تعليق حتى لحظة إعداد هذا الخبر، كما لم يصدر أي بيان عن الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز بشأن الخطوة الجديدة.
خلفيات ميدانية وسياسية معقدة
يأتي هذا الإعلان في أعقاب أسبوع دموي شهدته محافظة السويداء، تخللته اشتباكات عنيفة بين مجموعات درزية محلية ومسلحين من عشائر بدوية، على خلفية نزاعات متراكمة، لتتدخل لاحقا قوات تابعة للحكومة السورية الانتقالية، ما أدى إلى تصعيد خطير شمل قصفا إسرائيليا طال مواقع للقوات الحكومية في السويداء ودمشق ودرعا.
وأسفرت تلك الاشتباكات، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل 1386 شخصا، بينهم 238 مدنيا تم إعدامهم ميدانيا على يد عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية، في حصيلة وصفت بأنها “غير نهائية”، وسط تقارير عن انتهاكات واسعة.

اتفاق غامض يعيد رسم الجنوب السوري
وبالتوازي مع الإعلان عن الإدارة الذاتية، كشفت مصادر سورية لـ”المنشر الإخباري” عن اتفاق مبدئي جرى بين ما يسمى بـ”سلطة أحمد الشرع” وإسرائيل، برعاية أمريكية مباشرة، يعيد ترتيب المشهد الأمني في الجنوب السوري، وينزع بموجبه الغطاء السيادي السوري عن مناطق تشمل السويداء، ودرعا، والقنيطرة، والجولان.
وأفادت المصادر بأن اجتماعا سريا وغير مسبوق عقد في العاصمة الفرنسية باريس، يوم الخميس، جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص توماس باراك، الذي أكد في منشور على منصة “إكس” أن المحادثات “كانت ناجحة وتهدف إلى خفض التصعيد وفتح قنوات للحوار”.
أبرز بنود الاتفاق:
انسحاب كامل للقوات الحكومية السورية من محافظة السويداء.
خروج فوري لقوات العشائر والأمن العام إلى ما بعد القرى الدرزية.
تشكيل مجالس محلية من أبناء المنطقة لإدارة شؤونها دون تدخل حكومي.
منع دخول أي مؤسسة رسمية سورية، باستثناء منظمات الأمم المتحدة.
نزع السلاح من درعا والقنيطرة، وتشكيل لجان أمنية محلية غير مسلحة.
تسليم ملف الانتهاكات في السويداء للجانب الأمريكي لتوثيقه دوليا.
تواصل مباشر بين لجان الجنوب وإسرائيل، مع بنود خاصة بـ”حماية الدروز”.
جدل حول السيادة والعدالة
وصفت أوساط سياسية سورية الاتفاق بأنه تنازل غير مسبوق عن السيادة السورية، وسط قلق متزايد من أن يتحول ملف الانتهاكات الحقوقية إلى ورقة تفاوض بيد واشنطن وتل أبيب، بدلا من أن يحال إلى لجان تحقيق دولية مستقلة.
في هذا السياق، قال مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن، إن “الحكومة السورية هي الخاسر الأكبر”، معتبرا أن ما جرى هو “محاولة للهروب من المحاكمة الدولية، بمساعدة أمريكية ظرفية”.
ترقب حذر وردود فعل مرتقبة
فيما يترقب الشارع في السويداء صدور موقف رسمي من المجلس العسكري والرئاسة الروحية، يسود شعور بالقلق والانتظار، بين من يرى في الإدارة الذاتية “خطوة تحررية مشروعة”، ومن يخشى أن تكون مجرد جزء من اتفاق دولي يكرس تقسيما فعليا للبلاد، مقابل ضمانات أمنية لإسرائيل.
ويبقى السؤال المطروح: هل نشهد ولادة كيان مستقل في الجنوب السوري؟ أم أن ما يجري هو فصلا جديدا من معادلة إقليمية معقدة تكتب بأدوات محلية؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف المسار.










