السيد مسعد بولس يأتي من خلفية تجارية بالدرجة الأولى، ولا يحمل رصيدًا سياسيًا يُذكر سوى تجربته الفاشلة في خوض الانتخابات البرلمانية اللبنانية مرتين.
ويمكن القول إن أبرز إنجازاته يتمثل في انخراطه في الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، حيث لعب دورًا في كسب دعم عدد من العرب الأمريكيين، فضلًا عن صلته العائلية بترامب، إذ يُعتبر صهره بزواج ابنه من تيفاني ابنة ترامب الذي كافأه بتعيينه كبير مستشاريه لشؤون افريقيا والعالم العربي ….
ومن المبكر إصدار حكم نهائي على نتائج التحرك الأمريكي الأخير في ليبيا، والذي قاده بولس بصفته مستشارًا لترامب. ما يمكن قراءته حتى الآن هو أن الزيارة كانت أشبه بـ”جولة استطلاع واستماع”، هدفت إلى تكوين تصور أعمق لدى بولس حول الوضع الليبي من مختلف الزوايا.
ورغم تعدد اللقاءات التي أجراها بولس، إلا أننا لم نشهد أي مواقف أميركية قاطعة، باستثناء التكرار المعتاد لعبارات دعم وحدة ليبيا، والسعي للاستقرار والازدهار، وتعزيز التعاون الاقتصادي، دون أي توضيح للآليات أو الخطوات العملية لتحقيق هذه الأهداف. وقد تكرر كذلك الحديث عن ضرورة توحيد المؤسسات السيادية، بما في ذلك الأمنية والعسكرية.
الملاحظ في هذه الزيارة هو غياب الإشارة إلى دعم البعثة الأممية في بيانات السيد بولس، وهو أمر كان معتادًا في خطاب المبعوث الأميركي السابق ريتشارد نورلاند، ما يثير تساؤلات عن طبيعة المقاربة الأميركية الحالية تجاه المسار الأممي.
أما على صعيد الملف النفطي، فهو يشهد استمرارًا للتعاون الأمريكي–الليبي منذ سنوات، بغض النظر عن الجهة الحاكمة. لكن من المؤكد أن توسيع الشراكة مع شركات أميركية يمكن أن يسهم في تحييد النفط عن الصراع السياسي، ويقلل فرص استخدامه كورقة ضغط سياسية كما حدث مرارا وتكرارا في السابق.
من جهتها، سعت حكومة الدبيبة إلى استثمار الزيارة لتعزيز شرعيتها الدولية، وعرضت مشاريع بقيمة 70 مليار دولار كوسيلة لاستمالة دوائر ترامب. غير أن تنفيذ هذه المشاريع يبدو غير ممكن خارج إطار حكومة موحدة تمثل جميع الليبيين.
بل سبق للحكومة أن عرضت، خلال زيارة وفدها في السابق إلى واشنطن، الإفراج عن 30 مليار دولار من الأموال المجمدة مقابل استثمار 10 مليارات منها في الولايات المتحدة – لكن هذا الطرح لم يتحقق.
في المقابل، هناك حديث عن أن المعسكر الشرقي بقيادة حفتر وأبنائه قد قدم عروضًا للتعاون في مجالات إعادة الإعمار وغيرها، ولكن دون الإفصاح عنها علنًا، وهو نهج يُفهم منه محاولة لاستمالة دعم واشنطن من خلال فتح المجال للشركات الامريكية ..
الملف الذي يبدو أن الولايات المتحدة تعطيه أولوية حالية هو توحيد القوى العسكرية. ومن الواضح أن واشنطن تنظر إلى هذا الملف من زاوية استراتيجية تتعلق بكبح تمدد النفوذ الروسي في ليبيا ، خصوصًا في الجنوب ، وفي افريقيا عامة.
وإذا نجحت الولايات المتحدة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف العسكرية الليبية المتخاصمة وحققت تقدمًا في هذا المسار، فإن ذلك سيكون إنجازًا يحسب لها.
أما على الصعيد السياسي، فإن الأنظار تتجه إلى منتصف أغسطس القادم، حيث يُرتقب أن تُعلن المبعوثة الأممية حنا تيته خطتها الجديدة، وسط أجواء سياسية معقدة، وانقسامات داخلية، وعقبات عديدة تعيق التوافق على خطوات ملموسة نحو الحل.
من اللافت في هذه المرحلة أن جميع الأطراف الليبية تسعى لتقديم نفسها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة طمعًا في دعم سياسي ودولي.
غير أن هناك خطًا أحمر واضحًا لا يمكن تجاوزه من قبل هذه الاطراف، وهو ملف تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا، وهي فكرة مرفوضة بشكل واسع على المستويين الشعبي والرسمي، محليًا وعربيًا ودوليًا، ويُعد القبول بها (كما قلنا في السابق) بمثابة انتحار سياسي لأي طرف داخلي ولا ارى ان اي طرف يمكن ان يغامر باتخاذ هكذا خطوة مهما كانت الظروف والمغريات …
أخيرًا، وبالنظر إلى الواقع الأمريكي، فإن ترامب يواجه ما يكفيه من أزمات داخلية وخارجية، سواء من ملفات مثل “إبستين”، أو بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة داخليا، او ملف اوكرانيا وملف غزة .
كما أن شعبيته تتراجع حتى داخل أوساط الجمهوريين انفسهم. وبالتالي، فإن انخراطه في الملف الليبي يبدو مستبعدًا في المرحلة الحالية، ما لم يرى في ليبيا فرصة سياسية واقتصادية يستطيع من خلالها تحقيق نصر خارجي يُسوّقه للداخل الأميركي لتعزيز موقعه الداخلي المتهاوي والمهتز.











