في تطور جديد في الأزمة السودانية، رد الجيش السوداني بحزم على إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية في البلاد، واصفاً هذه الخطوة بأنها “محاولة فاشلة لشرعنة مشروع انفصالي مدعوم من الخارج”. هذا الرد الحاسم جاء في بيان رسمي صدر يوم الأحد 27 يوليو 2025، ليؤكد رفض المؤسسة العسكرية لما أسمته “مناورات المليشيا الإجرامية”.
إعلان الحكومة الموازية يشعل التوترات في السودان
أعلن ائتلاف سوداني بقيادة قوات الدعم السريع شبه العسكرية يوم السبت 26 يوليو 2025 تشكيل حكومة موازية، في خطوة استراتيجية وصفها خبراء الشؤون السودانية بأنها قد تدفع البلاد نحو تقسيم دائم مع استمرار الحرب الأهلية.
سيتولى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف شعبياً باسم “حميدتي”، رئاسة المجلس الرئاسي في هذه الحكومة الموازية. وجاء هذا الإعلان خلال مؤتمر صحفي مهم في مدينة نيالا، كبرى مدن إقليم دارفور الذي تهيمن عليه قوات الدعم السريع.
تضمنت التشكيلة الحكومية الجديدة تعيين محمد حسن التعايشي كرئيس للوزراء، إلى جانب تشكيل مجلس رئاسي من 15 عضواً يضم عبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، كنائب لحميدتي.
رد فعل قوي من الجيش السوداني
رد الجيش السوداني بقوة على هذا التطور، حيث وصف في بيانه الرسمي ما أُطلق عليها “حكومة المليشيا” بأنها محاولة يائسة لخداع حتى الحلفاء والشركاء. وأكد البيان أن الهدف الحقيقي لقادة الدعم السريع يتمثل في السعي للسلطة لتحقيق طموحات شخصية غير مشروعة ومشروع عنصري منفصل عن الهوية السودانية الأصيلة.
كما أشار الجيش السوداني إلى أن قادة هذه المليشيا يهدفون إلى نهب ثروات البلاد الطبيعية بالاعتماد على القوة والنفوذ، مستعدين للعب جميع الأوراق المتاحة، بما في ذلك خدمة أجندات إقليمية ودولية أكبر من حجمهم.
وصف البيان العسكري الحكومة الموازية المعلنة بأنها “تمثيلية هزيلة ومضللة” تجمع بين الجهلة والعملاء ومجرمي الحرب، والهدف منها شرعنة مشروعهم الإجرامي بدعم ومساندة خارجية.
الجذور التاريخية للصراع السوداني المعاصر
ترجع أسباب الصراع الحالي إلى أبريل 2023، عندما اندلعت المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بسبب خلافات جوهرية حول عملية دمج القوات شبه العسكرية في الهيكل العسكري النظامي.
سابقاً، تقاسم الجنرال عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019.
لكن انقلاباً عسكرياً مشتركاً نفذه الطرفان في عام 2021 أدى إلى إقصاء السياسيين المدنيين من السلطة، مما أشعل فتيل صراع دموي حول آليات دمج القوتين العسكريتين خلال المرحلة الانتقالية المخطط لها لإرساء أسس ديمقراطية حقيقية.
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على كلا الطرفين، حيث اتهمت البرهان بتفضيل الخيار العسكري على المفاوضات السلمية، بينما اتهمت حميدتي بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور.
الخريطة الجغرافية للسيطرة العسكرية
تهيمن قوات الدعم السريع حالياً على الجزء الأكبر من المناطق الغربية في السودان، وتحديداً إقليم دارفور الشاسع وأجزاء استراتيجية من إقليم كردفان الغني بالموارد النفطية.
في المقابل، نجح الجيش السوداني في استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم والمناطق الوسطى من البلاد خلال الأشهر الماضية، مما اضطر قوات الدعم السريع للانسحاب تدريجياً من هذه المناطق الحيوية.
تتركز المعارك الضارية حالياً في منطقة كردفان الاستراتيجية ومدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث تفرض قوات الدعم السريع حصاراً مشدداً على المدينة منذ مايو 2024. شهدت هذه المناطق هجمات عنيفة ومدمرة أسفرت عن مقتل مئات المدنيين الأبرياء وإجبار آلاف العائلات على النزوح القسري.
الكارثة الإنسانية المتصاعدة
أدى الصراع المدمر المستمر منذ أكثر من عامين إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية السودانية، مما خلق أزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها “غير مسبوقة” في تاريخ البلاد الحديث. تشير التقارير الأممية إلى أن نصف السكان السودانيين يواجهون مستويات حرجة من الجوع والمجاعة.
أجبر القتال الدائر أكثر من 12 مليون شخص على ترك منازلهم والنزوح داخلياً أو اللجوء إلى البلدان المجاورة، مما يشكل أكبر أزمة نزوح في العالم وفقاً للإحصائيات الدولية.
تشير أحدث التقديرات الأمريكية إلى أن الصراع السوداني قد أودى بحياة حوالي 150,000 شخص، بينما تواجه العمليات الإنسانية في البلاد عجزاً مالياً حاداً، حيث لم يتم توفير سوى 23% من إجمالي 4.2 مiliار دولار المطلوبة لتقديم المساعدات الطارئة والمنقذة للحياة.
المواقف الإقليمية والدولية الحاسمة
حذرت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من أن قيام قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة موازية قد يؤدي إلى تعميق حالة التشرذم والانقسام في السودان، مما يعقد بشكل كبير الجهود الدبلوماسية المبذولة لإنهاء هذا الصراع المدمر.
لم تحصل الحكومة الموازية المعلنة على أي شكل من أشكال الاعتراف الدولي حتى الآن، حيث تبقى الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والمدعومة من الجيش السوداني مقرها الرسمي في مدينة بورتسودان.
اتهمت منظمات حقوق الإنسان الدولية المعتبرة، بما في ذلك منظمة أمنستي الدولية والولايات المتحدة، قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم خطيرة ضد الإنسانية، تشمل العنف الجنسي الواسع النطاق ضد النساء والفتيات والتطهير العرقي.










