شهدت العاصمة العراقية بغداد، صباح الأحد 27 يوليو 2025، مواجهات مسلحة خطيرة بين قوات الشرطة العراقية وعناصر من كتائب حزب الله العراقية في منطقة السيدية، نتج عنها إصابة تسعة من رجال الشرطة واعتقال 14 شخصاً من المسلحين.
جذور الأزمة: منصب حكومي يشعل فتيل الصراع
تبدأ القصة بـقرار إداري روتيني اتخذته وزارة الزراعة العراقية بتغيير مدير عام إحدى دوائرها بسبب تزويره شهادته الجامعية. وأكدت وزارة الداخلية العراقية في بيان رسمي أن الحثناء مباشرة المدير الجديد لمهامه خلال اجتماع إداري في دائرة تابعة لوزارة الزراعة بجانب الكرخ.
لكن ما بدا كإجراء إداري اعتيادي تحول إلى معركة شوارع حقيقية عندما رفض المدير المقال تسليم منصبه، وجاء مدعوماً بمجموعة مسلحة من كتائب حزب الله لاقتحام الدائرة وطرد المدير الجديد.
التصعيد المسلح: عندما يصبح السلاح وسيلة للتحدي
وصفت وزارة الداخلية العراقية الحادث بأنه “خطير”، مشيرة إلى أن المجموعة المسلحة اقتحمت مبنى الدائرة وأثارت الذعر بين الموظفين، الذين استنجدوا على الفور بالقوات الأمنية. وعندما وصلت مفارز من الشرطة الاتحادية ودوريات نجدة الكرخ، تعرضت لإطلاق نار مباشر من قبل المسلحين.
أفاد مراسل قناة الحدث بأن المواجهات أسفرت عن ارتفاع عدد الإصابات إلى 15 جريحاً، مع تأكيدات حول سقوط قتلى في صفوف قوات الأمن، وإن لم تصدر حصيلة نهائية رسمية. كما أرسلت السلطات تعزيزات عسكرية إلى شرق بغداد، وفرضت قوات الأمن طوقاً أمنياً في منطقة الدورة لمحاصرة مقرات الفصائل المسلحة.
الاستجابة الحكومية: تحقيق فوري وتأكيد على سيادة القانون
سارع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى إصدار أوامره بفتح تحقيق فوري لمعرفة ملابسات الحادثة. وشددت وزارة الداخلية على أنها “لن تسمح بأي تجاوز على مؤسسات الدولة أو تهديد لسلطة القانون”، معتبرة أن هيبة الدولة وسيادة القانون خط أحمر لا يمكن المساس به.
وأكدت الوزارة أن القوات الأمنية تواصل تنفيذ عمليات تفتيش وملاحقة دقيقة بإشراف مباشر من القيادات العليا لتعقب بقية المتورطين وتقديمهم إلى العدالة.
كتائب حزب الله: فصيل مسلح بين الشرعية والإرهاب
تُعتبر كتائب حزب الله العراقية من أقوى الفصائل المسلحة في العراق وأكثرها إثارة للجدل. صنفتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية عام 2009، ووضعتها على قوائم الإرهاب الدولية. كما فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على ستة أفراد مرتبطين بالجماعة، متهمة إياها بالمسؤولية عن هجمات ضد القوات الأميركية وشركائها في العراق وسوريا.
رغم ذلك، تحتل الكتائب موقعاً متناقضاً في النظام العراقي، فهي جزء من قوات الحشد الشعبي الرسمية التي يقودها ويمولها رئيس الوزراء. ويشغل عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، وهو عضو في كتائب حزب الله ومصنف أميركياً كإرهابي، منصب رئيس أركان قوات الحشد الشعبي.
السياق الأوسع: تحدي السلاح المنفلت
ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها بغداد مواجهات بين الفصائل المسلحة والقوات الحكومية. في مايو 2023، اندلعت اشتباكات مماثلة في منطقة الدورة بين الشرطة الاتحادية وكتائب حزب الله بسبب تجاوزات على الأراضي الزراعية. وفي 2018، شهدت بغداد مواجهات أخرى أسفرت عن إصابة ثلاثة بينهم شرطيان.
يأتي هذا التصعيد في وقت تواجه فيه الحكومة العراقية ضغوطاً متزايدة لحصر السلاح بيد الدولة وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت. وقد دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مؤخراً إلى تسليم السلاح المنفلت للدولة وحل الميليشيات العراقية.










