شهدت الأحداث الأخيرة في منطقة المحيط الهادئ تطورات مثيرة للاهتمام، حيث تم العثور على 4 حيتان على شواطئ مدينة تاتياما في محافظة تشيبا اليابانية في ظروف استثنائية ترتبط زمنياً بالزلزال العنيف الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية.
أكدت الشرطة المحلية اليابانية أن الحيتان وصلت إلى الشاطئ في 29 يوليو 2025، أي قبل وقوع الزلزال الذي بلغت قوته 8.8 درجة على مقياس ريختر والذي ضرب قبالة السواحل الروسية في 30 يوليو. هذا التوقيت المثير للجدل ينفي وجود علاقة مباشرة بين الزلزال وموجات التسونامي وظهور الحيتان، لكنه يفتح المجال للتساؤل حول قدرة هذه الكائنات البحرية على استشعار التغيرات الجيولوجية قبل حدوثها.
التفسيرات العلمية لسلوك الحيوانات قبل الزلازل
رغم الحديث المتداول عن قدرة الحيوانات على التنبؤ بالكوارث الطبيعية، يؤكد العلماء أنه لا توجد أدلة علمية قاطعة تدعم قدرة الحيوانات على التنبؤ بالزلازل بدقة. أوضح الدكتور صلاح الحديدي، أستاذ الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، أن الحيوانات قد تشعر بالترددات التي تصدر من باطن الأرض بفضل حساسيتها العالية، لكن هذا لا يعني قدرتها على التنبؤ الدقيق بالزلازل.
تشير الدراسات العلمية إلى أن بعض الحيوانات قد تستشعر الموجات الأولية (P-waves) للزلزال قبل الموجات الثانوية الأقوى. هذه الموجات الأولية تنتقل بسرعة أكبر وقد تصل قبل الهزة الرئيسية بثوانٍ معدودة، لكن ليس بساعات أو أيام كما تشير بعض الادعاءات.
تأثير الزلازل على الحيتان والثدييات البحرية
تُظهر البحوث العلمية أن الحيتان تتأثر بالزلازل بطرق مختلفة، حيث كشفت دراسة نيوزيلندية أن الزلازل تعطل قدرة حيتان العنبر على العثور على الطعام لمدة عام على الأقل. تسبب الضوضاء الناتجة عن الزلزال في تلف السمع لدى هذه الحيوانات، كما تؤدي الهزات الكبيرة إلى تدمير مناطق الغذاء الرئيسية.
وفقاً للبحث العلمي المنشور في المجلات المحكمة، فإن الزلازل البحرية لا تجعل الثدييات البحرية أكثر عرضة للجنوح على الشواطئ بشكل مباشر. ومع ذلك، قد تتأثر هذه الحيوانات بالتغيرات المفاجئة في مستويات المياه والتيارات البحرية التي تحدث أثناء موجات التسونامي.
حالات مشابهة في التاريخ الحديث
ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها تساؤلات حول علاقة الحيوانات البحرية بالكوارث الطبيعية. في عام 2023، عُثر على عدة حيتان نافقة على شواطئ قبرص عقب زلزال تركيا وسوريا المدمر. قال الخبراء حينها إن الحيتان المنقارية التي تم العثور عليها قد تكون تأثرت بالهزات الأرضية، خاصة أن هذه الحيوانات تملك نظاماً لتحديد المواقع بصدى الصوت يتأثر بالضوضاء البحرية.
في السياق نفسه، أُبلغ عن ظهور 5 حيتان بيلوغا على شواطئ كامتشاتكا قبل يوم من الزلزال الأخير، مما أثار المزيد من التساؤلات حول قدرة هذه الحيوانات على استشعار التغيرات الجيولوجية المقبلة.
الآليات العلمية المحتملة
يطرح العلماء عدة نظريات لتفسير سلوك الحيوانات غير المعتاد قبل الزلازل. تشمل هذه النظريات الحساسية للتغيرات في المجال المغناطيسي أو الكهرومغناطيسي، والقدرة على اكتشاف التغيرات في الضغط الجوي، والاستجابة للغازات المنبعثة من الصدوع الأرضية.
بالنسبة للحيتان تحديداً، تشير الدراسات إلى أن موجات التسونامي يمكن أن تجنح الحيتان على الشواطئ بسبب التغيرات السريعة والدراماتيكية في مستويات المياه والتيارات البحرية. عندما تقترب هذه الموجات من الشاطئ، تنسحب المياه بقوة في البداية، مما قد يحتجز الحيتان مؤقتاً في المناطق الضحلة.
التحديات العلمية في التنبؤ بالزلازل
رغم التقدم التكنولوجي الهائل، يؤكد علماء الزلازل أن التنبؤ الدقيق بالزلازل يبقى أحد أكبر التحديات في العلوم الحديثة. لا تستطيع أنظمة الإنذار المبكر التنبؤ بالزلازل، لكنها تكتشف حركة الأرض بمجرد بدء الزلزال وترسل تنبيهات سريعة.
أشارت دراسة أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك الألماني إلى أن مراقبة سلوك الحيوانات قد تساعد في توقع بعض الزلازل. زرع الباحثون أجهزة استشعار على حيوانات مزرعة في شمال إيطاليا ووجدوا أنها أظهرت نشاطاً غير عادي قبل 20 ساعة من وقوع الزلزال، لكن هذه النتائج تحتاج إلى مزيد من البحث والتأكيد.
التوازن بين العلم والخرافة
يحذر الخبراء من المبالغة في تفسير سلوك الحيوانات كمؤشر موثوق للزلازل. أوضح الدكتور أحمد عرعور، مدير المركز التخصصي للعناية بالحيوان الأليف، أن اقتناء الحيوانات من أجل التنبؤ بالزلزال غير مجدٍ، لأن الحيوانات تشعر بكثير من الأحداث وليس فقط الزلازل.
كما يرى الخبير أن تأويل كل حركات الحيوان الغريبة على أنها إنذار بالزلزال قد يتسبب في آثار نفسية على قاطني المنزل والأطفال. لذلك يؤكد العلماء على ضرورة الاعتماد على أنظمة الرصد العلمية المتقدمة بدلاً من الاعتماد على سلوك الحيوانات فقط.
الاستجابة الإقليمية والدولية
عقب الزلزال الروسي، شهدت المنطقة استجابة واسعة النطاق من دول المحيط الهادئ. أصدرت اليابان تحذيرات من التسونامي وأمرت بإجلاء أكثر من 900 ألف شخص من المناطق الساحلية. كما امتدت التحذيرات لتشمل هاواي وألاسكا والساحل الغربي للولايات المتحدة.
أظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي الحيتان الأربع وهي مستلقية على الشاطئ، مما لفت انتباه الجمهور العالمي وأثار نقاشات واسعة حول علاقة الأحداث. رغم أن المسؤولين أكدوا أن الحيتان وصلت قبل الزلزال، إلا أن التوقيت المتقارب استمر في إثارة الفضول العلمي والشعبي.










