شهد قطاع غزة تطوراً استراتيجياً مهماً بتقليص الجيش الإسرائيلي لانتشاره بشكل كبير، حيث كشف المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع عن سحب الفرقة 98 وعدد من الألوية النظامية إلى جبهات أخرى، مع إعادة قوات الاحتياط للراحة والتجديد وإعادة التنظيم وصيانة المعدات.
التقليص العسكري: الأرقام والتفاصيل
تشير التقارير إلى أن عدد الألوية المتبقية في غزة حالياً يبلغ ثمانية ألوية فقط، وهو العدد الأقل منذ وقف إطلاق النار الأخير، بل وحتى منذ بداية الحرب. هذا التقليص الجذري يأتي في إطار منح الوحدات فترة “تهدئة عملياتية” كما وصفها يهوشع.
الوحدات المسحوبة
انسحبت من القطاع عدة وحدات رئيسية:
الفرقة 98: الوحدة النخبوية المكونة من المظليين والقوات الخاصة
لواء المظليين: نُقل إلى مهام أمنية في الضفة الغربية
لواء الكوماندوز: أُرسل إلى الجبهة الشمالية
لواء المدرعات السابع: غادر القطاع للراحة والانتعاش
لواءي الاحتياط 646 و179: سُحبا من غزة
تقليص قوات الاحتياط
وجّه رئيس الأركان إيال زامير بتقليص حجم قوات الاحتياط في جميع الجبهات بنسبة 30%، وهو ما انعكس بوضوح على التواجد العسكري في غزة.
انتهاء عملية “مركبات جدعون”
تم الإعلان رسمياً عن انتهاء عملية “مركبات جدعون” العسكرية التي بدأها الجيش الإسرائيلي في مايو الماضي. وفقاً لزامير، فإن الجيش “أحكم السيطرة ودمّر 75% من مساحة القطاع، وبهذا يكون قد استكمل تنفيذ عملية ‘مركبات جدعون'”.
تقييم النتائج
رغم الإعلان الرسمي عن النجاح، إلا أن الأهداف المعلنة للعملية – القضاء على حماس وتوفير ظروف ملائمة لإنجاز صفقة تبادل – “لم تتحقق” كما أشار زامير نفسه. وقد اعترف عدد من المسؤولين الإسرائيليين بأن العملية لم تحقق أهدافها المرجوة.
التحديات العسكرية والإنسانية
استنزاف القوات
تشير التقارير إلى وجود حالة إرهاق كبيرة لدى الجنود الإسرائيليين، وسط انتقادات من المجتمع الإسرائيلي وعائلات الأسرى وجنود الاحتياط من استمرار العمليات العسكرية. وكشفت دراسة لجامعة تل أبيب أن 12% من جنود الاحتياط الذين شاركوا في الحرب يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، مما يجعلهم غير مؤهلين للخدمة.
الأوضاع الميدانية
رغم التقليص، تبقى أربع فرق عسكرية تواصل عملياتها داخل القطاع، لكن فرقتين فقط تنفذان عمليات هجومية – إحداهما شمالي القطاع والأخرى في خان يونس – فيما تتمركز فرقتان في مواقع دفاعية.
وتعمل كل فرقة الآن بعدد محدود من المجموعات القتالية، لا يتجاوز عادة 2 إلى 3 ضمن تشكيلها، ولم تحرز تقدماً جديداً على الأرض، وتواصل التمركز في المناطق التي سيطرت عليها سابقاً.
الخيارات الاستراتيجية الثلاثة
وفقاً لتحليل يهوشع، تدرس المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حالياً ثلاثة خيارات رئيسية فيما يخص جبهة غزة:
الخيار الأول: استمرار الضغط بأسلوب الاستنزاف
يتضمن هذا الخيار:
التطويق الشامل: للمخيمات ومدينة غزة
الغارات الجوية الدقيقة: استهداف مواقع محددة
العمليات البرية المحدودة: في مناطق معينة
الهدف: دفع حماس نحو التفكير في اتفاق جزئي
هذا النهج يُنظر إليه كاستراتيجية تدريجية ومدروسة قد تُفضي إلى نتائج سياسية لاحقاً، دون تصعيد شامل يهدد حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة.
الخيار الثاني: عملية برية واسعة
يهدف هذا الخيار إلى:
الاقتحام الشامل: للمناطق التي لم يعمل بها الجيش سابقاً
تدمير المعاقل الأخيرة: لحماس في مدينة غزة والمخيمات
تحقيق نصر ميداني كامل: رغم المخاطر العالية
لكن هذا الخيار يعتبر “عالي الكلفة” إنسانياً وسياسياً، ويحمل مخاطر حقيقية على حياة الرهائن والمدنيين، ويتطلب “تعزيزاً كبيراً في حجم القوات، إما عبر تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية أو من خلال تعبئة واسعة لقوات الاحتياط”.
الخيار الثالث: تحرك سياسي لوقف القتال
يتمثل في:
عرض شامل: رسمي أو سري لوقف كامل لإطلاق النار
الانسحاب الكامل: للقوات الإسرائيلية من غزة
مقابل إعادة جميع الأسرى: أحياءً وأمواتاً
نزع سلاح حماس: كشرط أساسي في الاتفاق
التطورات السياسية والدبلوماسية
التحول نحو الصفقة الشاملة
اتفق نتنياهو مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف على “التحول من صفقة جزئية إلى صفقة شاملة تنهي الحرب مقابل نزع سلاح حماس”. هذا التحول يعني “في جوهره العودة إلى نقطة البداية” ويُعقد الأمور، لأن إسرائيل لم تغير شروطها الأساسية.
الموقف الأمريكي الجديد
بدأ التغيير في النهج الأمريكي بعد اجتماع بين وزير الخارجية ماركو روبيو ومسؤولين إسرائيليين، حين أدرك روبيو أن “الاتفاق الجزئي له دوافع سياسية في إسرائيل، بحيث لا تنتهي الحرب، وبالتالي، ثمة حاجة إلى اتفاق شامل”.
التحديات والعقبات
المعضلة الاستراتيجية
يواجه زامير معضلة صعبة، حيث أشار إلى أن “الطريقة الوحيدة لمواصلة العمل العسكري دون الإضرار بالرهائن هي فتح محاور تضمن السيطرة الميدانية”، لكنه شدد على أنه “في حال تقرر تنفيذ مناورة داخل مدينة غزة أو المخيمات وسط القطاع، فعلى القيادة السياسية أن توضح أن تحرير الرهائن لم يعد هدفاً رئيسياً للحرب”.
الضغوط الداخلية
تتصاعد الضغوط من الجناح الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو لمواصلة وتصعيد الحرب، حيث طالب وزير المالية سموتريتش ووزير الأمن القومي بن غفير الجيش بتقديم خطة لـ”احتلال مدينة غزة بالكامل”.
الوضع الإنساني
يشهد الوضع الإنساني في غزة تفاقماً حاداً، خاصة في الشمال، مع استمرار القيود الإسرائيلية التي تعيق دخول المساعدات. فبحسب برنامج الغذاء العالمي، لا تعمل حالياً سوى أربعة مخابز من أصل 25، وتحتاج غزة من 500 إلى 600 شاحنة مساعدات يومياً.










