تدرس قيادات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حالياً خيار إعادة التموضع الإقليمي الجذري، بما في ذلك احتمال الانفتاح على تركيا والانضمام للميثاق الملي، وذلك في حال فشل المفاوضات الجارية مع حكومة دمشق في تحقيق مكاسب سياسية مُرضية للإدارة الذاتية. هذا التحول المحتمل يأتي وسط تعقيدات جيوسياسية متصاعدة تشهدها منطقة شمال سوريا.
تركيا تعطل المفاوضات لجذب “قسد”
تشير مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن تركيا تتعمد تعطيل فرص التسوية بين “قسد” ودمشق، في محاولة لجرّ “قسد” إلى مربعها السياسي كـ“حليف محتمل” ضمن ترتيبات قد تتقاطع مع رؤية الميثاق الملي.
هذه الاستراتيجية التركية المحسوبة تهدف إلى: إضعاف المفاوضات بين القوات الكردية والحكومة السورية الجديدة
كذلك خلق بديل تركي جاذب للقيادة الكردية في حال فشل الحلول مع دمشق، وربط حل القضية الكردية بالطموحات التوسعية التركية في إطار الميثاق الملي
الميثاق الملي: الطموح التاريخي التركي
الميثاق الملي أو “الميثاق الوطني” هو وثيقة تاريخية تركية من ستة بنود تم إقرارها قبيل إعلان الجمهورية التركية، وتشمل الولايات الشمالية المتاخمة لحدود تركيا من العراق وسوريا كأراضي تركية تاريخية.
الرئيس أردوغان أشار مراراً إلى هذا الميثاق، حيث قال في 2018: “لقد فشلنا في الحفاظ على الميثاق الملي الذي أعلناه مع انطلاق حرب التحرير الوطنية.. حين يتعلق الأمر بتطورات في سوريا والعراق أُعبّر، من حين إلى آخر، عن أننا مرغمون على التمسُّك مجدداً بميثاقنا الملي”.
عملية السلام التركية-الكردية: محرك التغيير الإقليمي
مبادرة أوجلان التاريخية وأثرها على “قسد”
دعوة عبد الله أوجلان في 27 فبراير 2025 لحل حزب العمال الكردستاني ونزع السلاح تُعتبر نقطة تحول تاريخية. هذه الدعوة، التي قبلتها قيادة الحزب في 12 مايو 2025 وتُوجت بمراسم تسليم السلاح في العراق في 11 يوليو 2025، تفتح أفقاً جديداً للعلاقات التركية-الكردية.
مظلوم عبدي، الذي وُصف إعلامياً بأنه “صديق شخصي لأوجلان”، رحب بقرار زعيم حزب العمال الكردستاني لكنه أكد أن القرار لا ينطبق على سوريا وأن “قسد” لن تنزع سلاحها. هذا الموقف يخلق تعقيداً استراتيجياً حيث تتوقع تركيا أن ينطبق قرار الحل على جميع الأذرع التنظيمية للحزب.
تحليلات تربط السلام بإعادة التوازنات
تذهب تحليلات استراتيجية إلى أن عملية السلام بين أنقرة وأوجلان قد تكون مرتبطة بهذه الاستراتيجية، باعتبارها تمهيداً سياسياً واستراتيجياً لإعادة رسم التوازنات شمال سوريا.
هذا الربط يشير إلى أن تركيا قد تكون تستخدم عملية السلام الداخلية كرافعة لإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي.
اتفاق مارس المتعثر: العقبات والتحديات
ووقّع أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 مارس 2025 اتفاقاً ينص على “دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية”، بما يشمل المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز. لكن بعد مرور أكثر من أربعة أشهر، يشهد تطبيق الاتفاق تباطؤاً كبيراً.
النقاط الخلافية الرئيسية تتمثل في شكل الدمج في الجيش السوري ورفض “قسد” لنزع السلاح الكامل،وتسليم المعابر الحدودية وحقول النفط التي تشكل 95% من موارد سوريا.
كذلك مطالب “قسد” باللامركزية السياسية ورفض دمشق القاطع لهذا الطرح وضمانات دستورية للحكم الذاتي وإصرار الحكومة على الوحدة المركزية
الاتصالات التركية-الكردية: بين التأكيد والإنكار
وفي مايو 2025، أكد مظلوم عبدي في مقابلة تلفزيونية وجود “علاقات مباشرة وقنوات اتصال مباشرة مع تركيا، وكذلك من خلال وسطاء”، معبراً عن أمله في تطوير هذه العلاقات وعدم معارضته للقاء الرئيس أردوغان.
هذه التصريحات تمثل انفتاحاً دبلوماسياً مهماً من قائد “قسد” تجاه أنقرة.
النفي التركي الرسمي
لكن مصادر وزارة الخارجية التركية نفت هذه المزاعم، مؤكدة عدم وجود أي مفاوضات مباشرة مع “قسد”. عمر تشيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، شدد على أن أي لقاء مع “قسد” مرهون بحل التنظيم وتسليم السلاح أولاً.
الوساطة الأمريكية والترتيبات السرية
رغم النفي التركي الرسمي، تشير تقارير إلى وجود لقاءات سرية بدأت في 2024 وتستمر في 2025 بين مسؤولين أتراك وممثلي الإدارة الذاتية في أوروبا، تحديداً في فرنسا وسويسرا، بوساطة أمريكية. هذه اللقاءات تركز على خفض التصعيد ومناقشة حل “قسد” وتنفيذ اتفاق دمشق.
بيان العشائر والمطالب الثمانية
يواجه قوات سوريا الديمقراطية تحدياً متصاعداً من العشائر العربية في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة. نشرت العشائر قائمة من 8 بنود تطالب فيها “قسد” بإنهاء حكمها الأحادي الجانب والامتثال لاتفاق الوحدة الوطنية مع دمشق.
هذا البيان، الذي وُقّع من قبل العديد من القبائل العربية، يحذر من أن الجمود السياسي قد يتحول إلى صراع مسلح.










