تصاعدت حدة التوترات في منطقة القوقاز الجنوبي مجدداً، بعد أن أصدرت إيران تحذيراً شديد اللهجة ضد أي محاولات لاستغلال ممر زنغزور، الذي تعتبره طهران مؤامرة جيوسياسية تهدف إلى تطويقها وعزلها عن روسيا والقوقاز.
جاء التحذير الإيراني على لسان علي أكبر ولايتي، المستشار الأول للمرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون الدولية، الذي غرد عبر منصة إكس يوم الاثنين 4 أغسطس 2025، قائلاً: “بعض الحكومات المتغطرسة، التي تتجاهل مصالحها ومصالح المنطقة، أعادت طرح قضية ممر زنغزور، وتسعى جاهدة لتحقيق أهداف غير شرعية في جنوب القوقاز”.
خلفية المؤامرة الأمريكية
كشفت تقارير استخباراتية حديثة عن تفاصيل صادمة حول ما يُسمى بـ“ممر زنغزور”، والذي يهدف إلى ربط الأراضي الرئيسية لأذربيجان بمنطقة نخجوان المنفصلة عنها، عبر المرور بالأراضي الأرمينية المحاذية للحدود الإيرانية.
وفقاً لوثيقة سرية كشفتها صحيفة “بيريوديستا ديجيتال” الإسبانية، تم التوصل إلى اتفاق ثلاثي مثير للجدل بين أرمينيا وأذربيجان والولايات المتحدة، يقضي بوضع ممر زنغزور تحت السيطرة الأمريكية لمدة 99 عاماً.
تحمل الوثيقة المسربة عنوان “مذكرة تفاهم بشأن إنشاء ممر النقل جسر ترامب”، وتنص على أن شركة عسكرية أمريكية خاصة ستتولى إدارة الممر وتأمينه، مع نشر حوالي 1000 عنصر من المقاولين العسكريين الأمريكيين.
الأهداف الحقيقية للمشروع
حذر ولايتي من أن ممر زنغزور المقترح هو مخطط جيوسياسي “يُنفذ كغطاء لمشاريع أوسع” تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل وحلف شمال الأطلسي والحركات القومية التركية، بهدف تقويض الأمن القومي الإيراني.
وأوضح المسؤول الإيراني أن “الهدف الحقيقي للممر هو إضعاف محور المقاومة، وقطع ارتباط إيران بالقوقاز، وفرض حصار بري على إيران وروسيا في جنوب المنطقة”.
“نحذر أي حكومة، سواء في المنطقة أو خارجها، من تكرار التجارب الفاشلة السابقة المتعلقة بـممر زنغزور، فإن إيران سترد بقوة على أي محاولة من هذا القبيل”
– علي أكبر ولايتي، المستشار الأول للمرشد الأعلى الإيراني
التداعيات الأمنية والاستراتيجية
يرى خبراء الشؤون الاستراتيجية أن تنفيذ هذا المشروع سيؤدي إلى تغيير جذري في معادلات الأمن الإقليمي، حيث سيمكن الولايات المتحدة من إقامة موطئ قدم دائم على الحدود الإيرانية الشمالية.
وحذر الخبير الاستراتيجي حميد رضا عزيزي من أن هذا المشروع “سيحرم إيران من وصولها الطبيعي إلى أراضي جنوب القوقاز عبر أرمينيا”، واصفاً إياه بـ“المسمار الأخير في نعش” إيران و“الاختناق الجيوسياسي” لطهران.
الدور الإسرائيلي في المعادلة
تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن إسرائيل لعبت دوراً محورياً في دفع هذا المشروع قدماً، حيث استخدمت المجال الجوي الأذربيجاني لشن هجمات على الأراضي الإيرانية.
ووفقاً لمركز بيغن-السادات للدراسات الدولية الإسرائيلي، تُعتبر أذربيجان واحدة من “أعمدة” البنية الأمنية الإقليمية لإسرائيل وقاعدة لعمليات الاستخبارات الإسرائيلية.
الاستعدادات الإيرانية للمواجهة
أكد ولايتي أن إيران اتخذت إجراءات استباقية لمواجهة هذا التهديد، مشيراً إلى أن طهران “نشرت قوات على الحدود واتخذت نهج المنع النشط بدلاً من التدابير الرد الفعلية”.
وأضاف أن “الأمن القومي الإيراني خط أحمر”، مؤكداً أن بلاده ستواصل معارضة هذه المشاريع بحزم.
وقد أجرت إيران منذ عام 2021 مناورات عسكرية في المنطقة الحدودية مع أرمينيا، كرسالة تحذيرية واضحة لأي طرف يفكر في المساس بالأمن القومي الإيراني.
التحديات المستقبلية
يتوقع المحللون أن تشهد المنطقة تصعيداً في التوترات خلال الأسابيع المقبلة، خاصة مع إصرار إيران على منع تنفيذ هذا المشروع بأي شكل من الأشكال.
ويرى الخبراء أن نجاح هذا المشروع سيؤدي إلى تغيير جذري في التوازنات الإقليمية، ويمكن أن يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، لكن من بوابة القوقاز هذه المرة بدلاً من الخليج العربي.
وفي ظل تراجع النفوذ الروسي في المنطقة بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا، تجد إيران نفسها وحيدة في مواجهة هذا التحدي الاستراتيجي الجديد، مما يزيد من احتمالية اتخاذها إجراءات عسكرية حاسمة لحماية مصالحها الحيوية.










