في تقرير غير مسبوق نشره موقع بروبوبليكا يوم الخميس 7أغسطس 2025، كشف الكاتبان المتخصصان في شؤون الاستخبارات، يوسي ميلمان ودان رافيو، عن تفاصيل دقيقة لدور جهاز الموساد الإسرائيلي في تجنيد وتوجيه فرق من الإيرانيين المعارضين للنظام، لتنفيذ عمليات داخل إيران خلال حرب الأيام الاثني عشر.
واستند التقرير إلى مقابلات مع 10 مسؤولين استخباراتيين إسرائيليين حاليين وسابقين، فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، وقدموا روايات حول ما وصفوه بـ”أحد أكثر العمليات الاستخباراتية تعقيدًا وسرية في تاريخ المواجهة مع إيران”.
فرق الكوماندوز داخل إيران: التنفيذ من الداخل
في فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران، انطلقت فرق كوماندوز داخل إيران لمهاجمة مواقع رادار ومنصات صواريخ كانت تحمي العاصمة طهران وبعض المنشآت العسكرية، وفقًا للتقرير. إحدى هذه الفرق كانت بقيادة شاب إيراني يُعرف اختصارًا بـ”س.ت”، قاد وحدة تضم 70 عنصرًا مدربًا في طهران وحدها.
أعضاء هذه المجموعات، بحسب التقرير، كانوا مزيجًا من ناشطين معارضين سابقين، عسكريين مفصولين، وحتى مواطنين عاديين تعرّضوا للقمع أو لديهم دوافع شخصية أو مادية. تشمل هذه الدوافع الانتقام من الحكومة، الحاجة إلى العلاج الطبي، أو حتى الطموح للحصول على فرص دراسية في الخارج.
موجات متلاحقة من الهجمات
في اليوم الثاني من الحرب، شنت مجموعات جديدة من العملاء المجنّدين داخل إيران موجة ثانية من العمليات، استهدفت منشآت دفاعية رئيسية، وفق التقرير، الذي أكد أن هذه الهجمات مهدت الطريق لسلاح الجو الإسرائيلي لتوجيه ضرباته الجوية الدقيقة من دون خسارة طائرة واحدة.
وفيما كانت الطائرات الإسرائيلية تدك منشآت نووية وعسكرية، كانت الفرق المحلية تنفّذ هجمات على الأرض، مما أربك القيادة الإيرانية وأضعف الدفاعات الجوية.
وبحسب تقرير صادر عن الجيش الإسرائيلي، فقد خسرت إيران خلال الحرب نصف ترسانتها من الصواريخ الباليستية، و80% من منصات الإطلاق.
التدريب والتجنيد والرقابة النفسية
الموساد، وفقًا للتقرير، درّب العملاء الإيرانيين في دول مجاورة، وأخضعهم لاختبارات ولاء صارمة، من ضمنها أجهزة كشف الكذب المتكررة، كما تم رصدهم نفسيًا بشكل دوري لضمان التزامهم، وتحديد مدى استعدادهم لتنفيذ مهام عالية الخطورة.
تكوّنت كل وحدة كوماندوز من 4 إلى 6 أفراد، وبلغ عدد الفرق التي عملت داخل إيران خلال الحرب 28 فريقًا، موزعة على مهمات متخصصة، أهمها تدمير الدفاعات الجوية، وتعطيل الاتصالات العسكرية، وإضعاف قدرات الرد الصاروخي.
استهداف المنشآت النووية: فوردو تحت المجهر
كشف التقرير أن إسرائيل خططت لتنفيذ عملية برية لتدمير منشأة فوردو النووية المحصّنة في جبال قم، باستخدام وحدة كوماندوز خاصة تتسلل إلى الداخل، تدمر أجهزة الطرد المركزي، وتسحب اليورانيوم المخصب. إلا أن هذه المهمة أُلغيت لاحقًا بسبب المخاطر الكبيرة المرتبطة بها.
سلسلة اغتيالات منسقة
في فصل آخر من التقرير، تحدث الكاتبان عن اغتيال 11 عالماً نووياً إيرانياً في ليلة واحدة، حيث نُفذت عمليات إطلاق نار دقيقة داخل غرف نومهم، استنادًا إلى معلومات جمعتها فرق ميدانية إيرانية متعاونة مع الموساد.
وذكر التقرير أن الموساد توقف تدريجيًا عن إرسال عملائه الميدانيين إلى داخل إيران منذ 15 عاماً، وبدلاً من ذلك اعتمد على عملاء محليين أو من دول ثالثة للقيام بمهام الرصد والتخطيط.
ما بعد الحرب: إعدامات وانتقام رسمي
بعد إعلان وقف إطلاق النار في24 يوليو ، ردت طهران بإعدامات جماعية شملت سبعة مواطنين إيرانيين، اتُهموا بالتجسس والتعاون مع إسرائيل. كان آخرهم روزبه وادي، عالم نووي اعتُقل قبل 18 شهراً من الحرب، واتُهم بإفشاء معلومات سرية.
دعم استخباراتي إقليمي
أكد التقرير أن الموساد أقام علاقات تعاون مع وكالات استخبارات من سبع دول مجاورة لإيران، لتسهيل إدخال المعدات، وتصديرها عبر شركات وهمية، وممرات بحرية وقانونية، في واحدة من أكثر عمليات الإمداد تعقيداً.
يبين هذا التقرير أن حرب الأيام الاثني عشر لم تكن مجرد مواجهة جوية وصاروخية، بل حرباً استخباراتية من الطراز الرفيع، استخدمت فيها إسرائيل نفوذها، وشبكاتها، وتحالفاتها مع قوى داخل إيران وخارجها، لضرب النظام الإيراني من الداخل.
وإن صحّت المعطيات الواردة في هذا التقرير، فإنها تكشف عن تغيير جذري في أسلوب المواجهة بين إسرائيل وإيران، عنوانه: الحرب القادمة قد لا تكون عبر الحدود… بل من داخل العاصمة.










