دعت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” إلى طرد إسرائيل من جميع مسابقاته الرياضية. جاءت هذه الدعوة كرد فعل مباشر على نعي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم للاعب الفلسطيني سليمان العبيد، المعروف بلقب “بيليه فلسطين”، الذي استشهد برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء محاولته الحصول على مساعدات إنسانية في قطاع غزة.
قصة سليمان العبيد: “بيليه فلسطين”
مسيرة كروية متميزة تم قطعها بالرصاص
وُلد سليمان أحمد زايد العبيد في 24 مارس 1984 في قطاع غزة، وبدأ مسيرته الكروية في نادي خدمات الشاطئ. انتقل عام 2009 إلى نادي الأمعري في الضفة الغربية، حيث قاد الفريق للفوز بأول بطولة دوري للمحترفين في نسختها الجديدة عام 2010.
حصل العبيد على ألقاب عديدة أبرزها “الغزال الأسمر”، “الجوهرة السمراء”، “هنري فلسطين”، و“بيليه الكرة الفلسطينية”. سجل أكثر من 100 هدف خلال مسيرته الكروية، ما جعله من اللاعبين القلائل الذين تجاوزوا هذا الرقم في الدوري الفلسطيني. كما حقق لقب هدّاف الدوري مرتين: الأولى مع نادي غزة الرياضي برصيد 17 هدفًا، والثانية مع نادي خدمات الشاطئ برصيد 15 هدفًا.
على الصعيد الدولي، مثل العبيد منتخب فلسطين في 24 مباراة وسجل هدفين. أبرز أهدافه كان هدفه الهوائي في مرمى اليمن ضمن بطولة اتحاد غرب آسيا 2010، والذي وُصف بأنه “هدف بمذاق عالمي”.
الاستشهاد أثناء طلب المساعدة
استشهد سليمان العبيد يوم 6 أغسطس 2025 برصاص قناص إسرائيلي أثناء محاولته الحصول على مساعدات غذائية لأطفاله الخمسة قرب مركز للمساعدات الأمريكية جنوب غرب خانيونس. ترك وراءه زوجته وخمسة أطفال (ولدين وثلاث بنات).
فرانشيسكا ألبانيز: صوت الحق الأممي
خلفية المقررة الخاصة
فرانشيسكا ألبانيز محامية إيطالية دولية متخصصة في حقوق الإنسان والشرق الأوسط، تشغل منصب المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ مايو 2022. هي أول امرأة تتولى هذا المنصب.
تُعد ألبانيز باحثة منتسبة في معهد دراسات الهجرة الدولية بجامعة جورجتاون، وألّفت منشورات مرموقة منها كتاب “اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي” عام 2020، وكتابها الأخير “أنا أتهم” عام 2024.
مواجهة الضغوط والتهديدات
واجهت ألبانيز حملة مكثفة من الضغوط لمنع تجديد ولايتها، إلا أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المؤلَّف من 47 عضوًا، صوت في أبريل 2025 لصالح إبقائها في منصبها حتى عام 2028.
في يوليو 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها بسبب تقاريرها حول الإبادة الجماعية في غزة. ردت ألبانيز على هذه العقوبات قائلة إنها “أول مسؤولة أممية تُعاقب لأنني تحدثت عن الإبادة في غزة”.
الدعوة لطرد إسرائيل من المسابقات الرياضية
رد فعل على نعي يويفا الناقص
نشر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” نعيًا لسليمان العبيد قال فيه: “وداعًا سليمان العبيد، بيليه فلسطين. موهبة أعادت الأمل لأطفال لا حصر لهم، حتى في أحلك الأوقات”. لكن النعي لم يذكر ملابسات وفاته أو من قتله.
ردت ألبانيز على هذا النعي قائلة: “إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، حان الوقت لطرد قاتليه (العبيد) من المسابقات. لنجعل الرياضة خالية من التمييز العنصري والإبادة الجماعية. كرة واحدة، ركلة واحدة”.
انتقادات واسعة لصمت يويفا
انتقد محمد صلاح، نجم ليفربول والمنتخب المصري، نعي يويفا قائلاً: “هل يمكنكم أن تخبرونا كيف توفي، وأين، ولماذا؟” كما انضم إليه في الانتقاد شخصيات رياضية وإعلامية أخرى مثل جاري لينيكر وجيريمي كوربين.
السياق الأوسع: استهداف الرياضة الفلسطينية
أرقام مروعة للشهداء الرياضيين
منذ بداية حرب الإبادة في 7 أكتوبر 2023، ارتفع عدد شهداء الحركة الرياضية الفلسطينية إلى أكثر من 662 شهيدًا. في شهر يوليو وحده استشهد 41 رياضيًا. باستشهاد العبيد، ارتفع عدد شهداء اتحاد كرة القدم الفلسطيني إلى 321 رياضيًا، يشملون لاعبين ومدربين وإداريين وحكامًا.
تدمير البنية التحتية الرياضية
تعرضت البنية التحتية الرياضية الفلسطينية لدمار واسع تجاوز 80%، حيث طال القصف الإسرائيلي عشرات الملاعب والصالات ومقرات الأندية. تحول ما بقي منها إلى مراكز إيواء مكتظة بالنازحين.
الدعوات الدولية لمقاطعة إسرائيل رياضيًا
حركة عالمية متنامية
تتزايد الدعوات عالميًا لمقاطعة إسرائيل رياضيًا، حيث نظم مشجعو كرة القدم حول العالم حملات تحت شعار “أظهروا البطاقة الحمراء لإسرائيل”. انتشرت هذه الحملات في دول مثل إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وماليزيا وتونس والبرازيل وتشيلي.
مطالب فلسطينية رسمية
تقدم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بطلب رسمي إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” لاتخاذ عقوبات فورية ضد الفرق الإسرائيلية، بما في ذلك المنتخبات الوطنية والأندية. كما دعا 12 اتحادًا لكرة القدم في غرب آسيا، بقيادة الأمير علي بن الحسين، إلى طرد إسرائيل من المسابقات الدولية.
موقف يويفا والاتحادات الرياضية
قرارات محدودة
اتخذ يويفا في أكتوبر 2023 قرارًا بتعليق إقامة أي مباراة ينظّمها في إسرائيل “حتى إشعار آخر”. لكن هذا القرار لم يشمل طرد إسرائيل من المسابقات، بل اقتصر على نقل المباريات إلى ملاعب محايدة خارج إسرائيل.
مقاومة الضغوط
رفض يويفا حتى الآن الدعوات لطرد إسرائيل، مشيرًا إلى أن الوضع في الشرق الأوسط “مختلف تمامًا” عن الوضع في أوكرانيا الذي أدى لطرد روسيا. هذا الموقف أثار انتقادات واسعة لتطبيق “معايير مزدوجة”.
التأثيرات والاستجابات
تصاعد الضغط الشعبي
تشهد مباريات الفرق الإسرائيلية في أوروبا احتجاجات متزايدة، كما حدث في أمستردام في نوفمبر 2024 عندما اشتبك مشجعو أياكس مع مشجعي مكابي تل أبيب، مما أدى إلى إصابة خمسة أشخاص واعتقال العشرات.
دعم دولي متزايد
حصلت عريضة منظمة “إيكو” المطالبة بطرد إسرائيل من الرياضة الدولية على أكثر من 380,000 توقيع. كما أيد 26 برلمانيًا فرنسيًا من اليسار دعوة اللجنة الأولمبية الدولية لفرض عقوبات على إسرائيل.
الخلاصة: رياضة بلا إبادة جماعية
تمثل دعوة فرانشيسكا ألبانيز لطرد إسرائيل من المسابقات الأوروبية جزءًا من حراك عالمي متزايد لمقاطعة إسرائيل رياضيًا. استشهاد سليمان العبيد، “بيليه فلسطين”، أثناء محاولته إحضار الطعام لأطفاله يجسد المأساة الإنسانية التي يعيشها الرياضيون الفلسطينيون تحت الاحتلال والحرب.
مع ارتفاع عدد الشهداء من الرياضيين إلى أكثر من 662 شهيدًا وتدمير أكثر من 80% من البنية التحتية الرياضية، تتزايد الأصوات المطالبة بمحاسبة إسرائيل رياضيًا. الصمت النسبي للاتحادات الرياضية الدولية في مواجهة هذه الأرقام المروعة يثير تساؤلات جدية حول تطبيق معايير العدالة والإنسانية في الرياضة العالمية.
“لنجعل الرياضة خالية من التمييز العنصري والإبادة الجماعية. كرة واحدة، ركلة واحدة” – فرانشيسكا ألبانيز
هذه الكلمات تلخص مطلبًا إنسانيًا بسيطًا: أن تكون الرياضة مساحة للسلام والعدالة، وليس منصة لتطبيع الإبادة الجماعية والاحتلال.










