اغتال مسلحون مجهولون اليوم الأحد علاء عدنان أيوب، الملقب بـ”الفاروق أبو بكر”، القيادي السابق في الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، في مدينة إعزاز شمالي حلب. هذا الاغتيال يثير تساؤلات جدية حول موجة اغتيالات وتصفيات داخل القيادة السورية الجديدة وسط الفوضى الأمنية المتزايدة في البلاد.
تفاصيل الاغتيال في إعزاز
وقع الاغتيال بالقرب من جامعة حلب في المناطق المحررة بمدينة إعزاز، حيث أفاد تقارير إعلامية سورية أن شخصين ملثمين كانا يقلان دراجة نارية قاما بإطلاق النار على أبو بكر. نشرت وسائل إعلام سورية مشاهد لأيوب داخل سيارته، وتظهر عليها آثار الاستهداف بوضوح.
أظهرت المشاهد المتداولة السيارة التي كان يستقلها الضحية وقد تعرضت لإطلاق نار كثيف، مما يشير إلى أن العملية كانت مخططة ومنفذة بدقة من قبل مسلحين محترفين.
من هو الفاروق أبو بكر؟
علاء عدنان أيوب كان من القياديين البارزين في الفصائل التي تشكلت عقب الأحداث التي شهدتها سوريا عام 2011. عمل قبل الثورة السورية في مهنة الزخرفة وصناعة الرخام، لكن اعتقل على أيدي المخابرات الجوية في حلب مع بداية الثورة، ليتوجه إلى العمل المسلح فور الإفراج عنه.
التحق أولاً بكتيبة مصعب بن عمير التي اندمجت لاحقاً تحت لواء العباس، ثم ساهم في تأسيس “حركة الفجر الإسلامية” التي أصبحت جزءاً من “حركة أحرار الشام الإسلامية”.
في عام 2014، تم تعيينه مسؤولاً عن مكتب العلاقات المختص بشؤون الأسرى والمبادلات في مدينة حلب. كان للفاروق دور مهم في تأسيس مجلس قيادة موحد للفصائل العسكرية في حلب غداة حصار النظام للمدينة عام 2016.
دوره في المفاوضات والتحولات
كان الفاروق أبو بكر ممثلاً للفصائل في المفاوضات مع الحكومة السورية السابقة، حسب شبكة شام. اختارته الفصائل مفاوضاً عنها في مدينة حلب في 14 نوفمبر 2016، وهو التاريخ الذي سبق سيطرة النظام على المدينة وتهجير سكان الشطر الشرقي في ديسمبر 2016.
بعد تهجيره إلى محافظة إدلب، انضم إلى حركة أحرار الشام الإسلامية، لكنه انشق عنها في 4 يوليو 2018 وانضم إلى فرقة المعتصم التابعة لما يُعرف بـ”الجيش الوطني السوري”.
تصاعد التهديدات الأمنية
في عام 2023، كشف الفاروق أبو بكر عن تعرضه لعملية رصد وملاحقة من قبل مسلحين مجهولين في ريف حلب الشمالي، متهماً “هيئة تحرير الشام” بالوقوف وراء هذه الملاحقة، وذلك بعد سلسلة تحذيرات تلقاها بسبب منشوراته ومواقفه ضد الهيئة ومتزعمها الجولاني.
هذا التصريح يضع اغتياله الأخير في سياق أوسع من التصفيات المتبادلة بين الفصائل السورية المختلفة، خاصة بين الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام.
موجة الاغتيالات في سوريا الجديدة
يأتي اغتيال الفاروق أبو بكر ضمن موجة واسعة من الاغتيالات والتصفيات التي تشهدها سوريا منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، تم توثيق 167 مدنياً قُتلوا في 150 جريمة قتل وقعت في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الجديدة حتى مايو 2025.
توزعت هذه الجرائم على مختلف المحافظات السورية، حيث سجلت درعا 25 جريمة بـ28 قتيلاً، وإدلب 18 جريمة بـ20 قتيلاً، وحماة 17 جريمة بـ20 قتيلاً. هذه الأرقام تُظهر مدى عمق الانفلات الأمني وعجز الأجهزة الأمنية في المرحلة الانتقالية عن بسط الأمن.
أنماط الاستهداف المتنوعة
تشير التقارير إلى أن الاغتيالات تستهدف مختلف شرائح القيادة السورية الجديدة، بما في ذلك:
- القادة العسكريون السابقون في مختلف الفصائل
- المفاوضون الذين شاركوا في محادثات السلام
- القضاة والشرعيون العاملون في المناطق المحررة
- الناشطون المدنيون والحقوقيون
في محافظة درعا وحدها، شهدت مقتل 15 شخصاً وإصابة 24 آخرين معظمهم من المدنيين خلال شهر فبراير 2025، نتيجة حوادث إطلاق نار أو العبث بالسلاح.
الوضع الأمني في شمال حلب
تشهد المنطقة الشمالية من محافظة حلب، حيث وقع اغتيال الفاروق أبو بكر، فوضى أمنية متصاعدة. وثّقت التقارير وقوع هجمات يومية تقريباً بواسطة العبوات الناسفة تستهدف أعضاء الجيش الوطني والشرطة المدنية والشخصيات المهمة.
في أبريل 2022، قُتل خمسة من أعضاء الجيش الوطني السوري بواسطة مسلحين مجهولين عند نقطة تفتيش عسكرية في مدينة إعزاز. هذا النمط من الهجمات يتكرر باستمرار، مما يشير إلى وجود خلايا منظمة تستهدف القيادات والعناصر الأمنية.
التحديات الأمنية المعقدة
يواجه الوضع الأمني في سوريا تحديات معقدة تشمل:
بقايا النظام السابق
في الشهرين الأولين من عام 2025، وثّقت التقارير تنفيذ موالين للنظام السابق ما لا يقل عن 32 هجوماً على قوات الأمن الجديدة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة وريف دمشق.
التنافس بين الفصائل
تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري صراعات داخلية بين الفصائل المختلفة، خاصة مع هيئة تحرير الشام، مما يؤدي إلى مزيد من الاغتيالات والتصفيات.
انتشار السلاح
يُعتبر انتشار السلاح بين المدنيين وغياب التشريعات التي تنظم حيازته من أبرز التحديات، إلى جانب ضعف دور الأجهزة الأمنية.
استجابة السلطات الجديدة
رغم تعهدات الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بمحاسبة المسؤولين عن القتل، تستمر موجة الاغتيالات دون توقف. في مارس 2025، تعهد الشرع بـ“محاسبة أي شخص متورط في إراقة دماء المدنيين بحزم ودون تساهل”.
أعلنت السلطات السورية الجديدة إنهاء “العملية العسكرية” ضد التهديدات الأمنية و”بقايا النظام” في محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل المتوسطي، لكن الاغتيالات تستمر في مناطق أخرى.
التأثير على الاستقرار
تُظهر هذه الموجة من الاغتيالات هشاشة الوضع الأمني في سوريا الجديدة وتحديات الفترة الانتقالية. اغتيال شخصيات بارزة مثل الفاروق أبو بكر، الذي كان له دور مهم في المفاوضات والعمل العسكري، يُضعف الجهود الرامية لإعادة الاستقرار إلى البلاد.
كما أن استمرار هذا النمط من العنف يهدد بإعادة البلاد إلى دوامة الحرب الأهلية، خاصة مع تنامي الاتهامات المتبادلة بين الفصائل المختلفة ووجود قوى خارجية تسعى لزعزعة الاستقرار.










