يسعد المغرب لبدء عمليات التنقيب في في أعماق المحيط الأطلسي، على بعد أقل من 100 كيلومتر من السواحل المغربية الجنوبية حيث يقبع جبل تروبيك البركاني الذي يحتوي على كنز هائل من المعادن النادرة والثمينة.
تروبيك البركاني هذا الاكتشاف الجيولوجي الاستثنائي يضع المغرب أمام فرصة تاريخية لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة عالميا وترسيخ دوره كلاعب محوري في صناعة السيارات الكهربائية المستقبلية.
اكتشاف ثوري في أعماق الأطلسي
تم اكتشاف جبل تروبيك خلال مسح جيولوجي أجري عام 2017 بواسطة بعثة جيولوجية إسبانية-بريطانية قبالة السواحل الجنوبية للمغرب، يقع هذا الجبل البركاني على عمق 1000 متر تحت سطح البحر، ويبلغ ارتفاعه حوالي 3000 متر من قاع المحيط، مما يجعله من أبرز التكوينات الجيولوجية في المنطقة.
وفقا للدراسات المعمقة التي أجراها معهد علوم المحيطات الإسباني والمعهد الهيدروغرافي للبحرية الإسبانية، فإن جبل تروبيككان نشطا قبل أكثر من 119 مليون سنة، ويعتقد أنه ينتمي إلى سلسلة من الجبال البركانية التي شملت جزيرة غطيت بالمياه في العصور الجيولوجية السابقة.
ثروة معدنية لا تقدر بثمن
تشير التقديرات العلمية إلى أن جبل تروبيك يحتوي على مخزونات استثنائية من المعادن النادرة والثمينة، مخزون معدن التيلوريوم ويقدر بحوالي 2,670 طنا، وهو ما يمثل نحو 10% من المخزون العالمي لهذا المعدن النادر. التيلوريوم معدن شبه موصل يستخدم في صناعة الألواح الشمسية المتقدمة، حيث تحتوي عينات من الجبل على تركيزات من التيلوريوم تزيد بـ 50,000 مرة عن تركيزاته في الرواسب الأرضية.
كما يحتوي تروبيك على مخزون من الكوبالت يكفي لتصنيع 270 مليون سيارة كهربائية، وهو ما يعادل 54 ضعف إجمالي ما تملكه دول العالم مجتمعة من هذا المعدن الحيوي، ويعد الكوبالت عنصر أساسي في بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية.
معادن نادرة أخرى
كما يضم جبل تروبيك أيضا مخزونات من معادن نادرة أخرى بتراكيز عالية، الباريوم بحوالي 5.6 جرام لكل متر مكعب، الفاناديوم حوالي 3.6 جرام لكل متر مكعب
أيضا يضم جبل تروبيك حوالي 2.9 جرام لكل متر مكعب من النيكل، وحوالي 2.1 جرام لكل متر مكعب من الرصاص، بالإضافة إلى الذهب والفضة بكميات تجارية.
المغرب يعزز أسطوله البحري للتنقيب
استجاب المغرب لهذا الاكتشاف الجيولوجي الهائل بخطوات عملية وإستراتيجية، في عام 2022، اقتنى المغرب سفن بحرية ضخمة متخصصة من اليابان وكوريا الجنوبية لاستكشاف وإخراج الثروات المعدنية النادرة والنفيسة القابعة في جبل تروبيك، خاصة في السواحل الجنوبية للمملكة.
هذه السفن التقنية المتقدمة ستمكن المغرب من اقتحام أسرار وخفايا ما يحتويه القطاع الجنوبي الأطلسي للمغرب من معادن لا تقدر بثمن، على غرار تلك المكتشفة في جبل تروبيك البركاني قبالة سواحل مدينة الداخلة جنوبا.
التحديات القانونية والحدود البحرية
يقع جبل “تروبيك” في منطقة تداخل بحري بين المياه المغربية والإسبانية، مما يثير تعقيدات قانونية حول الحقوق في استغلال هذه الثروة المعدنية. وفقا للمصادر، يقع الجبل على بعد 250 ميلا (453 كم) جنوب غرب جزر الكناري، في منطقة تداخل الجروف القارية بين البلدين.
وفي عام 2020، وافقت الحكومة المغربية على مشروع مرسوم يتعلق بإجراءات منح تراخيص البحث العلمي في المياه الخاضعة للسيادة المغربية. كما أعربت دول من “النادي الكبير” مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا والهند والصين وروسيا وكوريا الجنوبية وتركيا عن اهتمامها بثروات جبل تروبيك وتسعى للحصول على تراخيص للاستغلال المشترك.
وفقا لمصادر غير رسمية، فإن هناك اتفاقا وشيكا بين المغرب وإسبانيا حول ترسيم الحدود البحرية، مما قد يفتح الطريق أمام استغلال منظم لموارد المنطقة البحرية مع تركيز خاص على جبل تروبيك.
المغرب وثورة السيارات الكهربائية
يأتي اكتشاف معادن جبل “تروبيك” في توقيت مثالي، حيث يشهد المغرب نموا كبيرا في صناعة السيارات الكهربائية. وفقا لوزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور، تهدف المملكة إلى زيادة إنتاج السيارات الكهربائية بنسبة 53% ليصل إلى 107,000 وحدة بحلول نهاية 2025.
وينتج المغرب حاليا ما بين 40,000 إلى 50,000 سيارة كهربائية سنويا، بما في ذلك موديلات Fiat Topolino وOpel E-Rocks وCitroën Ami.
وبحلول 2030، من المتوقع أن تمثل السيارات الكهربائية المصنعة في المغرب ما يصل إلى 60% من إجمالي السيارات المصدرة، وفقا لوزارة الصناعة والتجارة.
استثمارات بقيمة 10 مليار دولار
حظي المغرب باستثمارات تصل إلى 10 مليار دولار في قطاع السيارات الكهربائية، مما يعزز موقعه كمركز إنتاج إستراتيجي في قارة أفريقيا. هذه الاستثمارات تشمل إنشاء مصانع بطاريات عملاقة بقدرة إنتاجية تصل إلى 50,000 طن سنويا، مع بداية الإنتاج المقررة في 2026.
الأهمية الإستراتيجية العالمية
وفي ظل التوترات الجيوسياسية العالمية والحاجة لتأمين سلاسل توريد المعادن الحيوية، يمثل جبل “تروبيك” فرصة ذهبية للمغرب ليصبح لاعبا محوريا في السوق العالمية للمعادن النادرة. هذا الاكتشاف قد يقلل من اعتماد الدول الغربية على مصادر المعادن النادرة من مناطق أخرى.
مع الاتجاه العالمي نحو الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، تزداد الحاجة للمعادن الموجودة في جبل تروبيك. التيلوريوم ضروري للألواح الشمسية المتقدمة، بينما الكوبالت أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية، مما يجعل هذا الكنز الجيولوجي إستراتيجيا للغاية.
ويسعى المغرب إلى وضع خارطة طريق طموحة لاستغلال ثروات جبل “تروبيك” بحلول 2030، مما قد يحول المملكة إلى قوة عظمى في مجال المعادن النادرة. هذا التوجه سيدعم “المبادرة الصناعية الوطنية 2030” التي تهدف لتنويع الاقتصاد المغربي.










