شهدت مدينة السليمانية مساء الخميس 21 أغسطس 2025 حالة استنفار أمني شديد بعد صدور مذكرة اعتقال بحق لاهور شيخ جنكي، رئيس حزب “جبهة الشعب” والرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني، في تطور ينذر بتصاعد التوترات السياسية في إقليم كردستان العراق.
صدور مذكرة الاعتقال والاستنفار الأمني
أكدت مصادر محلية أن السلطات في السليمانية أصدرت مذكرة اعتقال بحق لاهور شيخ جنكي، مما دفع قوات الأمن إلى الانتشار بأعداد كبيرة عبر التقاطعات والمواقع الحساسة في المدينة.
وانتشرت قوات أمنية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، بما في ذلك وحدات مكافحة الإرهاب والكوماندوس والأسايش، في جميع أنحاء السليمانية، مع إغلاق جميع المداخل والمخارج وإقامة عشرات النقاط التفتيشية، خاصة حول منزل لاهور في منطقة لالزار.
وقد شمل الاستنفار إجراءات أمنية استثنائية تسببت في اختناقات مرورية وحالة من القلق بين السكان.
وأصدرت محكمة في السليمانية مذكرة توقيف بحق لاهور شيخ جنكي، رئيس حزب “جبهة الشعب” والرئيس السابق المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني، يوم الخميس 21 أغسطس 2025، بموجب المادة 56 المتعلقة بـ”تجمع مجموعة من الأشخاص بقصد إثارة الاضطرابات الأمنية والسلامة العامة”.
هذا الإجراء جاء بعد أيام من اعتقال شاسوار عبد الواحد، رئيس حركة “الجيل الجديد”، مما أثار توترات أمنية حادة في المدينة.
وأكد أراس شيخ جنكي، شقيق لاهور، رفضه لمذكرة التوقيف، محذراً من أن أي محاولة لاعتقال أخيه قد تؤدي إلى “دمار” السليمانية، ودعا قيادة الاتحاد الوطني إلى سحب قواتها لتجنب التصعيد.
وأشار إلى وجود ما لا يقل عن 400 مسلح في فندق لالزار، قاعدة لاهور الرئيسية، محذراً من إراقة دماء في حال اقتحام المكان.
من جانبه، أعلن لاهور شيخ جنكي أنه لم يتلق إخطاراً رسمياً بالمذكرة، ووصف الإجراء بأنه سياسي، مؤكداً أنه لن يسلم نفسه.
وأفاد بأنه يقود مجموعة مسلحة تُعرف بـ”العقرب” تضم مئات المقاتلين المدربين جيداً، شكلها لحمايته بعد فشل محاولاته في الحصول على حماية من حكومة إقليم كردستان.
كما تلقى اتصالات من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ونوري المالكي يطالبان بضبط النفس.
وحذر آراس من أنه في حال اعتقال شقيقه فإن “السليمانية ستُدمَّر”، في تصريح ينم عن خطورة الموقف وحساسيته.
خلفية سياسية معقدة
يُعد لاهور شيخ جنكي شخصية سياسية مؤثرة في المشهد الكردي، إذ شغل منصب الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني قبل أن يتم إقصاؤه من الحزب في يوليو 2021 من قبل بافل طالباني.
أسس شيخ جنكي لاحقاً حزب “جبهة الشعب” والذي حصل على مقعدين برلمانيين في انتخابات إقليم كردستان التي جرت في أكتوبر 2024.
تشهد العلاقات بين شيخ جنكي والقيادة الحالية للاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني توترات مستمرة منذ وفاة جلال طالباني عام 2017، حيث نشب صراع على القيادة انتهى بإقصاء شيخ جنكي من الحزب.
الصراعات الداخلية في كردستان
تأتي هذه التطورات في ظل أزمة سياسية مستمرة في إقليم كردستان، حيث يواجه الحزبان الرئيسيان – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني – صعوبات في تشكيل الحكومة الإقليمية العاشرة بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على انتخابات أكتوبر 2024.
صرح لاهور شيخ جنكي مؤخراً بأن الحزبين الحاكمين “لا يمكنهما الاستمرار في وضع مستقبل الإقليم في خطر بسبب تقاسم السلطة الوزارية”. وحذر من أن استمرار الجمود السياسي يدفع المواطنين الأوفياء للنظر في بدائل خارج النضال المدني والبرلماني.
التوترات الأمنية والاقتصادية
تشهد السليمانية، المدينة الواقعة تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، توترات أمنية متزايدة، حيث اعتُقل العشرات من الأشخاص بينهم صحفيون وسياسيون خلال احتجاجات على تأخير رواتب الموظفين العامين. كما تواجه المنطقة أزمة مالية حادة مع تأخر صرف رواتب الموظفين لأكثر من 55 يوماً.
انتقد شيخ جنكي الوضع الأمني في السليمانية، قائلاً إن “المستثمرين غادروا السليمانية جميعاً وانتقلوا إلى بغداد”. وأضاف أن ادعاءات الأمن والاستقرار “عكس الواقع تماماً”.
تداعيات إقليمية ودولية
تتزامن هذه التطورات مع محاولات تركيا ممارسة ضغوط على الاتحاد الوطني الكردستاني لإنهاء علاقاته مع حزب العمال الكردستاني التركي. فقد فرضت أنقرة حظراً على الطيران في مطار السليمانية الدولي في عدة مناسبات، ودعت مراراً الاتحاد الوطني لقطع علاقاته مع الحزب الكردستاني التركي.
وقد أدت هذه الضغوط إلى تعقيد الوضع السياسي في المنطقة، خاصة مع اعتماد الاتحاد الوطني الكردستاني على بغداد لمواجهة هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني على الحكومة الإقليمية.
ردود فعل وتحذيرات
وصف مصدر من مكتب لاهور شيخ جنكي الوضع بأن “رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني يريد استخدام القضاء لفبركة سيناريو، على غرار السيناريوهات السابقة، بهدف اتهام لاهور شيخ جنكي”.
من جانبه، نفى سركوت أحمد، المتحدث باسم شرطة السليمانية، علمه بأي أمر إلقاء قبض على لاهور شيخ جنكي، مما يثير تساؤلات حول طبيعة الإجراءات الأمنية المتخذة.
الخلاصة والتطلعات المستقبلية
تُظهر الأحداث الجارية في السليمانية عمق الأزمة السياسية في إقليم كردستان، حيث تتداخل الصراعات الداخلية مع التحديات الاقتصادية والضغوط الإقليمية. إن استمرار هذه التوترات قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة تواجه بالفعل تحديات جمة على عدة جبهات.
ومع تزايد الاستقطاب السياسي وتعثر تشكيل الحكومة الإقليمية، تبقى المنطقة في حاجة ماسة إلى حلول سياسية شاملة تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتضمن الاستقرار والازدهار للشعب الكردي.










