أصدرت السفارة الفرنسية في الجزائر بياناً يوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 حمّلت فيه السلطات الجزائرية مسؤولية تعطّل معالجة طلبات التأشيرات وتقليل المواعيد المتاحة أمام طالبي التأشيرة. وزعمت السفارة أن “وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية لم تستجب لطلبات تأشيرة الاعتماد الخاصة بالموظفين الجدد”.
كما أعلنت السفارة أنه “ابتداءً من 1 سبتمبر المقبل ستشهد السفارة والقنصليات الثلاث انخفاضاً محسوساً في عدد الأعوان بنسبة الثلث”، وأن هذا الوضع “سيحدّ من قدرتها على معالجة ملفات طلب التأشيرة للسفر إلى فرنسا”.
الرد الجزائري الحازم
وصفت وزارة الخارجية الجزائرية البيان الفرنسي بأنه “غير مقبول شكلاً ومضموناً”، معتبرة أنه يتضمن “عرضاً مغالطاً ومنحازاً للوقائع”. وأكدت الوزارة أن البيان “يخاطب الرأي العام الجزائري بشكل مباشر في محاولة لتحميل وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية مسؤولية حصرية وكاملة”.
انتهاك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية
الخرق الشكلي للأعراف الدبلوماسية
أكدت الجزائر أن تصرف السفارة الفرنسية “لا يمكن التسامح معه، لما ينطوي عليه من انتهاك لروح ونص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961”. هذه الاتفاقية، التي وُقعت في 18 أبريل 1961 وصدقت عليها 191 دولة، تُعتبر “المرجع القانوني الأساسي الذي ينظم العلاقات بين الدول عبر البعثات الدبلوماسية”.
مبادئ اتفاقية فيينا المنتهكة
تنص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية على ضرورة أداء الممثلين الدبلوماسيين لوظائفهم بكفاءة وبدون تدخل. كما تحدد الاتفاقية “امتيازات البعثة الدبلوماسية التي تمكن الدبلوماسيين من أداء وظيفتهم دون خوف من الإكراه أو المضايقات” من قِبل البلد المضيف.
حقيقة الأزمة وخلفياتها
فرنسا بادرت بالرفض أولاً
كشفت الخارجية الجزائرية أن “عدم اعتماد الأعوان الدبلوماسيين والقنصليين الفرنسيين في الجزائر جاء بعد قرار فرنسي مماثل” وذلك “عقب استنفاد جميع السبل التي بادر بها الجانب الجزائري بغية تسوية هذا الخلاف”. وأكدت أن الأمر “لا يتعلق سوى بتطبيق صارم لمبدأ المعاملة بالمثل دون زيادة أو نقصان”.
الأرقام الصادمة للرفض الفرنسي
أوضحت الجزائر أن “السلطات الفرنسية هي من بادرت، منذ أكثر من عامين، برفض اعتماد رؤساء مراكز قنصلية وأعوان قنصليين جزائريين في فرنسا”. ونتيجة لذلك:
لم يتلق ثلاثة قناصل عامين وستة قناصل جزائريين الاعتمادات المطلوبة، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على تقديم طلباتهم
لم يتمكن 46 عوناً دبلوماسياً وقنصلياً جزائرياً من الالتحاق بمناصبهم في فرنسا بسبب تجاهل السلطات الفرنسية لطلبات اعتمادهم
تأثير الأزمة على المواطنين
ضرر جسيم للرعايا الجزائريين
أكدت الجزائر أن هذه الوضعية التي “افتعلتها السلطات الفرنسية بشكل متعمد ومدروس، قد تسببت في أضرار جسيمة للرعايا الجزائريين المقيمين في فرنسا”، حيث “أثرت سلباً على الخدمات القنصلية المقدمة لهم، كما أضعفت جودة الحماية القنصلية”.
استخدام التأشيرات كسلاح سياسي
اتهمت الجزائر فرنسا بأن “الحكومة الفرنسية مستمرة في ممارسة سياسة الابتزاز بخصوص ملف التأشيرات”. وأشارت إلى أن فرنسا “جعلت من هذه المسألة أداة ضغط محورية ضمن سياسة القبضة الحديدية التي تسعى لفرضها على الجزائر”.
سياق الحرب الباردة المستمرة
تصاعد متواصل منذ يوليو 2024
تندرج هذه الأزمة الجديدة ضمن “حالة غير مسبوقة من التوتر” في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، والتي “تفوق في حدّتها كل الأزمات التي مرّ بها الجانبان منذ الاستقلال”. بدأت الأزمة الحالية في يوليو 2024 وتطورت لتشمل “ملفات الهجرة، وترحيل النشطاء، ووقف الواردات الفرنسية، وإلغاء اتفاق الجوازات الدبلوماسية”.
إنهاء الاتفاقيات الثنائية
في أغسطس 2025، أعلنت الجزائر إنهاء العمل بالاتفاق الجزائري-الفرنسي لعام 2013 المتعلق بالإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية. وأكدت أن “التأشيرات التي تُمنح لحاملي جوازات السفر الفرنسية، الدبلوماسية منها ولمهمة، ستخضع لنفس الشروط التي تفرضها السلطات الفرنسية على نظرائهم الجزائريين”.
الملفات العالقة والأزمات المتراكمة
قضايا الذاكرة التاريخية
تشمل الخلافات “ملف تجريم الاستعمار” و“التفجيرات النووية التي نفذتها فرنسا في الصحراء الجزائرية عقب استقلال الجزائر”، فضلاً عن “الألغام المزروعة على طول الحدود الشرقية والغربية للجزائر”. تطالب الجزائر بـ”الاعتراف، التعويض، وتنظيف مخلفات التفجيرات”.
الاتهامات الأمنية المتبادلة
توجه الجزائر اتهامات لباريس بدعمها لحركتي “الماك” و”رشاد” التي تعتبرها الجزائر “إرهابية”، مما رفع من منسوب التوتر بين البلدين. كما تشهد العلاقات “صراعاً حول اللغة الفرنسية” ومحاولات فرنسا الحفاظ على نفوذها الثقافي.
التداعيات الاقتصادية
فقدان فرنسا للصفقات المهمة
انعكست الأزمة على المجال الاقتصادي حيث “فقدت فرنسا بعض الصفقات المهمة، مثل ملف القمح، حيث جمدت الجزائر واردات سنوية تقارب 9 ملايين طن”. هذا التجميد يمثل ضربة اقتصادية كبيرة للمصالح الفرنسية في الجزائر.
مآلات الأزمة ومستقبل العلاقات
نفق مظلم بلا عودة
يشير المحللون إلى أن “التصعيد بين الجزائر وباريس بلغ عدة أوجه، وهو ما يؤشر على أن مسار الأزمة يمرّ عبر نفق مظلم” قد يقود إلى “خفض دائم للتمثيل الدبلوماسي أو حتى الذهاب إلى تجميد كامل للعلاقات”.
منطق المواجهة المستمر
تبدو “القضايا الحساسة – مثل الذاكرة الاستعمارية، وحرية التنقل، والمصالح الاقتصادية – غارقة في منطق المواجهة”. ويرى المراقبون أن “زمن الامتيازات الخاصة بالشراكة الفرنسية الجزائرية، قد ولى، مدفوعة بمطالب الجزائر بالسيادة الكاملة والمساواة في العلاقات الثنائية”










