سيفي غريب يباشر مهامه على رأس الحكومة الجزائرية وسط جدل سياسي وقانوني حول تعيينه “بالنيابة”
في تطور سياسي مفاجئ هز أروقة السلطة في الجزائر، باشر السيد سيفي غريب مهامه كوزير أول بالنيابة خلفاً لنذير العرباوي الذي أُنهيت مهامه، وذلك في أعقاب قرار رئاسي مفاجئ أصدره الرئيس عبد المجيد تبون الخميس 27 أغسطس 2025. هذا التعيين أثار جدلاً واسعاً بين الخبراء الدستوريين والسياسيين حول الطبيعة القانونية لمنصب “الوزير الأول بالنيابة” الذي لا يُعلم لحد الآن إن كانت مهمته مؤقتة أم سيجري تثبيته لاحقاً.
قرار رئاسي مفاجئ وسط غياب لافت
أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان رسمي أن الرئيس عبد المجيد تبون أصدر مرسوماً رئاسياً ينهي بموجبه مهام السيد نذير العرباوي، بصفته وزيراً أول، وقرّر تعيين سيفي غريب وزيراً أول بالنيابة خلفاً له.
جاء هذا القرار في ظرف لافت، حيث غاب الرئيس تبون عن المشهد العلني لأسابيع عديدة، مكتفياً ببيانات مكتوبة تصدرها الرئاسة دون صور أو نشاطات ميدانية، وهو ما فتح الباب أمام سيل من التكهنات بشأن وضعه الصحي والسياسي.
من هو سيفي غريب؟
سيفي غريب، البالغ من العمر 52 عاماً، هو رجل صناعة من الطراز الأول، حيث يشغل حالياً منصب وزير الصناعة منذ التحاقه بالحكومة للمرة الأولى في التعديل الوزاري خلال نوفمبر 2024.
حاصل على شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية للمواد من جامعة باجي مختار بعنابة، وقضى الجزء الأكبر من مساره المهني في القطاع الصناعي، حيث تولى عدة مناصب رفيعة أبرزها:
- رئيس مجلس إدارة الشركة الجزائرية القطرية للصلب
- رئيس مدير عام المؤسسة الوطنية للاسترجاع المتخصصة في النفايات الحديدية
- مدير عام الجامعة الصناعية التابعة لوزارة الصناعة
- مدير البحوث بمركز الدراسات والخدمات التقنية لصناعة مواد البناء
كما له إنجازات نوعية في القطاع منها الإشراف على إنجاز مشروع أول بئر بترولي باستعمال إسمنت محلي الصنع، وإنتاج أول محرك بحري جزائري بالتعاون مع مجمع الخدمات المينائية.
نذير العرباوي: نهاية “الوزير الأول الصامت”
يُعد نذير العرباوي ثالث رئيس حكومة يقرر الرئيس الجزائري إقالته منذ تسلمه السلطة في ديسمبر 2019، بعد عبد العزيز جراد (2020-2021) وأيمن بن عبد الرحمن (2021-2023).
ارتبط اسم العرباوي بالصمت والعمل بعيداً عن الأضواء، حيث وصفه المحللون بـ”الوزير الأول الصامت” الذي بقي في الكواليس طوال فترة توليه المسؤولية، ما جعل حضوره في المشهد السياسي والإعلامي شبه منعدم.
كان لافتاً غياب العرباوي عن الاجتماع الوزاري الذي عقده الرئيس الجزائري الثلاثاء الماضي وخُصص لقطاع النقل بعد حادثة سقوط حافلة في واد الحراش في الضاحية الشرقية للعاصمة والتي راح ضحيتها 19 شخصاً، وهو مؤشر كان ينبئ بإمكانية استبعاد العرباوي من منصبه.
الجدل الدستوري حول التعيين “بالنيابة”
أثارت صيغة “الوزير الأول بالنيابة” جدلاً واسعاً بين المختصين في القانون الدستوري، حيث رأى البعض أنه لا يوجد سند دستوري لتعيين وزير أول بالنيابة، في حين ثمة من قال إن اللفظ تفسيري فقط ولا يعني استحداث منصب جديد.
“حتى منصب الوزير الأول عندنا أصبح هشاً: يتم استبداله بشخص مؤقت”
– محسن بلعباس، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية السابق
وصف بلعباس إقالة العرباوي وتعيين وزير أول بالنيابة بأنها “عبثية” تعكس فراغاً في النظام السياسي، واعتبرها إشارة إلى أن المنصب لم يعد يمتلك ثقلاً سياسياً، بل صار مجرد وظيفة إدارية يمكن شغلها مرحلياً.
ردود فعل متباينة حول القرار
أثار قرار الإقالة والتعيين الجديد ردود فعل متعددة عكست تباين القراءات، بين من رأى فيه دليلاً على هشاشة المنصب التنفيذي الأعلى بعد الرئيس، ومن اعتبره تجسيداً للصلاحيات الدستورية التي يملكها رئيس الجمهورية.
“المرور الصامت لنذير العرباوي على منصب وزير أول يعكس هامشية المنصب، والأمر يتجاوز الأشخاص ليصل إلى هندسة الحكم”
– نجيب بلحيمر، صحفي ومحلل سياسي
من جانبه، اعتبر الناشط السياسي والإعلامي عبد الكريم زغيلش أن التجارب الديمقراطية تقوم على شرعية برلمانية وحكومات منبثقة من صناديق الاقتراع، بينما في الجزائر يتم التعيين المباشر من قبل رئيس الجمهورية بمعزل عن نتائج الانتخابات.
مراسم تسلم المهام
تم تسلم واستلام المهام في مراسم رسمية مساء الخميس 28 أغسطس 2025 بقصر الحكومة، حيث وجه العرباوي كلمة شكر للرئيس تبون على الثقة التي وضعها فيه، واصفاً المسؤولية بأنها “أمانة” يُسلمها اليوم للوزير الأول الجديد.
أشاد العرباوي بجهود أعضاء الحكومة وموظفي الوزارة الأولى على ما بذلوه من جهود دؤوبة لتنفيذ البرنامج الطموح والمشاريع الكبرى التي أقرها الرئيس تبون.
توقعات بتعديل حكومي مرتقب
يتوقع المراقبون أن يمهد تعيين غريب بالنيابة لتعديل حكومي مرتقب يتم فيه تنصيب وزير أول بكامل الصلاحيات، خاصة مع اقتراب الدخول الاجتماعي والمدرسي المقرر في 21 سبتمبر القادم.
كما يُتوقع أن يتبع قرار إقالة العرباوي تعديل حكومي يمس عدداً من الوزارات خلال وقت قصير، تعززت دوافعه بعد حادثة الحافلة الأخيرة، تزامناً مع تفاقم بعض المشكلات ذات الصلة بأزمة توريد السيارات وقطع الغيار.
تحديات المرحلة المقبلة
يواجه الوزير الأول الجديد بالنيابة تحديات كبيرة، أبرزها ملف السيارات والصناعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار الصناعي.
كما يتطلب منه تنفيذ القرارات الرئاسية العاجلة بشأن استيراد عشرة آلاف حافلة جديدة وتعويض الأسطول المتهالك خلال ستة أشهر.
“الجزائر تمتلك إمكانات هائلة لتحقيق طفرة اقتصادية حقيقية، والنجاح يعتمد على تثمين الإمكانات المتاحة وتعزيز القدرات البشرية”
– سيفي غريب في تصريحات سابقة
استمرارية أم تغيير؟
يبقى السؤال الأساسي: هل هذا التغيير مجرد إعادة إنتاج لمنصب يتركز في يد الرئيس ويستند إلى المؤسسة العسكرية، أم أنه بداية لمرحلة جديدة في إدارة الشأن العام؟
تُظهر الوقائع أن منصب الوزير الأول بالجزائر لا يمثل سوى حلقة ثانوية في هرم القرار، إذ تظل الملفات الاستراتيجية الكبرى رهينة بمستوى التنسيق بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية.










