في تصعيد دراماتيكي لحملته ضد ما يسميه “الدولة العميقة”، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لم يستبعد اعتقال المتورطين في إنشاء ونشر النظرية التي تم دحضها بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، مضيفاً بوضوح أن اعتقال رؤساء سابقين لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) “لن يزعجه على الإطلاق”.
تصريحات صريحة تفتح باب الانتقام السياسي
في مقابلة حصرية مع موقع “ديلي كولر”، واجه الرئيس ترامب سؤالاً مباشراً حول موقفه من رؤية المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جون برينان “مقيدين ومعتقلين على الهواء مباشرة”.
أجاب ترامب دون تردد: “لن يزعجني ذلك على الإطلاق”. وعندما سُئل عما إذا كان يعتبر ذلك احتمالاً وارداً في المستقبل القريب، كشف عن تغيير جذري في موقفه قائلاً: “لم أكن لأجيب على هذا السؤال بهذه الطريقة قبل أربع سنوات. هل تفهم ذلك؟”
وبرر ترامب موقفه الجديد بمقارنة الوضع مع قضية هيلاري كلينتون: “هيلاري مثال جيد. كان لدينا هيلاري بشكل قاطع. لم أرد رؤية ذلك… لم أرد زوجة رئيس تذهب إلى السجن، لكنها كانت مذنبة بوضوح في أشياء كثيرة”.
تحقيقات جنائية جارية تستهدف كبار المسؤولين
تأتي تصريحات ترامب في ظل موجة تحقيقات جنائية جارية تستهدف أبرز وجوه المؤسسة الاستخباراتية الأمريكية السابقة:
التحقيق الجنائي مع برينان وكومي:
يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي حالياً مع كل من جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، وجيمس كومي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، بتهمة الإدلاء ببيانات كاذبة أمام الكونغرس فيما يتعلق بتحقيق التدخل الروسي في انتخابات 2016.
هذا التحقيق جاء بناءً على إحالة جنائية من المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، وهو مؤيد قوي لترامب كان ينتقد بشدة تحقيق روسيا أثناء خدمته في الكونغرس.
هيئة محلفين كبرى تنظر في الاتهامات:
في تطور قانوني مهم، وجهت المدعية العامة الأمريكية بام بوندي، في 4 أغسطس 2025، المدعين العامين لفتح تحقيق أمام هيئة محلفين كبرى للنظر في الاتهامات المتعلقة بفبركة معلومات حول التدخل الروسي.
هذه الخطوة تشير إلى جدية إدارة ترامب في المضي قدماً بالمحاسبة القانونية ضد من تعتبرهم متورطين في “خدعة روسيا”.
“مؤامرة خيانية”: اتهامات توليسي غابرد الصادمة
مديرة الاستخبارات الوطنية توليسي غابرد لعبت دوراً محورياً في إعادة إحياء هذه القضية من خلال تصريحات مثيرة للجدل في يوليو 2025.
الاتهامات الخطيرة:
أعلنت غابرد عن اكتشاف “أدلة ساحقة” تُظهر كيف أن الرئيس السابق أوباما وفريق الأمن القومي لديه “فبركوا وسيسوا المعلومات الاستخباراتية” لتبرير “انقلاب طويل المدى ضد الرئيس ترامب”.
وقالت غابرد في بيان رسمي: “المعلومات التي نكشفها اليوم تُظهر بوضوح أن هناك مؤامرة خيانية في 2016 ارتكبها مسؤولون في أعلى مستويات حكومتنا. هدفهم كان تقويض إرادة الشعب الأمريكي وتنفيذ ما كان في الأساس انقلاباً يمتد لسنوات”.
الأدلة المزعومة:
تدعي غابرد أن التقييم الاستخباراتي لعام 2017 كان “مبنياً على معلومات كان المتورطون يعلمون أنها مفبركة”، مشيرة تحديداً إلى “ملف ستيل” ومعلومات “غير موثوقة” أخرى.
إعادة كتابة التاريخ: تقرير راتكليف المثير للجدل
المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف قاد جهوداً لـإعادة فحص وانتقاد تقييم المجتمع الاستخباراتي لعام 2017 الذي خلص إلى أن روسيا تدخلت في انتخابات 2016 بهدف دعم ترامب.
انتقادات راتكليف الرئيسية:
“البيئة المسيسة” التي أُنتج فيها التقييم الاستخباراتي
اتهام برينان بـ”المخاطرة بقمع النقاش التحليلي” و“تلاعبه بالمعلومات الاستخباراتية وإسكات المهنيين”
تسريع العملية بشكل غير طبيعي لتحقيق أهداف سياسية
رغم ذلك، لم يتحدَ تقرير راتكليف الاستنتاج الأساسي بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فضّل ترامب على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
حملة انتقامية شاملة ضد المؤسسة الأمنية
إلغاء واسع للتصاريح الأمنية:
في إطار حملة انتقامية واسعة النطاق، ألغت إدارة ترامب التصاريح الأمنية لـ37 مسؤولاً أمنياً حالياً وسابقاً في أغسطس 2025، بتهمة “تسييس أو تسليح المعلومات الاستخباراتية لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية”.
قائمة الشخصيات البارزة المستهدفة:
مسؤولون عملوا مباشرة على تقييم التدخل الروسي في انتخابات 2016
51 مسؤولاً استخباراتياً سابقاً وقعوا على رسالة 2020 التي اعتبرت “لابتوب هانتر بايدن” محتمل الصلة بعملية معلومات روسية
جيمس كلابر (مدير الاستخبارات الوطنية السابق في عهد أوباما)
ليون بانيتا (مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق في عهد أوباما)
جون بولتون (مستشار الأمن القومي السابق لترامب نفسه، والذي أُقيل من منصبه)
إقالات جماعية تهز المؤسسة العسكرية والاستخباراتية
شهدت المؤسسة الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية تغييرات جذرية وغير مسبوقة منذ عودة ترامب للبيت الأبيض في يناير 2025:
سلسلة الإقالات الرفيعة:
الجنرال جيفري كروس (مدير وكالة استخبارات الدفاع) – أُقيل في أغسطس 2025 بعد أن أصدرت وكالته تقييماً أولياً أفاد بأن الضربات الأمريكية على إيران في يونيو 2025 أدت إلى تأخير برنامجها النووي لبضعة أشهر فقط
الجنرال تيموثي هو (مدير وكالة الأمن القومي) – أُقيل في أبريل 2025
الجنرال تشارلز براون (رئيس هيئة الأركان المشتركة) – أُقيل في فبراير 2025
نائبة الأدميرال نانسي لاكور (القائدة السابقة لاحتياطي البحرية)
الأدميرال ميلتون ساندز (قائد قيادة العمليات الخاصة البحرية)
اتهامات الخيانة تصل إلى أوباما شخصياً
تصاعدت حدة الاتهامات إلى مستوى غير مسبوق عندما اتهم ترامب الرئيس السابق باراك أوباما شخصياً بـ”الخيانة”، زاعماً أن أوباما نظّم شخصياً جهوداً لربطه زوراً بروسيا وتقويض حملته الانتخابية عام 2016.
في خطاب من المكتب البيضاوي، قال ترامب: “إنه مذنب هناك. هذا ما فعلوه… حاولوا سرقة الانتخابات، حاولوا تشويه الانتخابات. قاموا بأشياء لم يتصوّرها أحد حتى في دول أخرى”.
المتحدث باسم أوباما رد بشدة على هذه الاتهامات قائلاً: “هذه الاتهامات الغريبة سخيفة ومحاولة ضعيفة للإلهاء”.
ردود المستهدفين:
جون برينان قال في مقابلة مع شبكة MSNBC: “لم تصل إليّ وزارة العدل أو مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى الآن، لذا أنا في انتظار سماع المزيد حول طبيعة هذا الأمر. أنا مرتبك تماماً بشأن ماهية ما قد يحققون معي بشأنه”.
السياق التاريخي: التحقيقات السابقة وخلاصاتها
نتائج التحقيقات المتعددة:
رغم الادعاءات الحالية، فإن تحقيقات متعددة ومستقلة أجريت على مدى سنوات أكدت الاستنتاجات الأساسية حول التدخل الروسي:
تحقيق مولر (2017-2019): خلص إلى عدم وجود تواطؤ مباشر بين حملة ترامب والحكومة الروسية، لكنه أكد حدوث التدخل الروسي “بشكل شامل ومنهجي”
تحقيق المدعي الخاص جون دورهام (2019-2023): لم يجد أدلة على مخالفات جوهرية في التحقيق الأصلي رغم انتقاده لبعض الإجراءات
تقرير مفتش عام وزارة العدل: أكد مشروعية فتح تحقيق “إعصار متقاطع” الأصلي
التأكيدات المتكررة من مصادر متنوعة:
تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ (2020) – بقيادة جمهورية – أكد أن روسيا سعت للتأثير على انتخابات 2016 لصالح ترامب
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي (المُعيّن من ترامب نفسه) أكد في 2019: “لا توجد معلومات تشير إلى تدخل أوكراني في انتخابات 2016”
التداعيات على المؤسسات والأمن القومي
مخاوف من تآكل المهنية:
يحذر خبراء الأمن القومي من أن استمرار هذا النهج يهدد بتآكل المهنية داخل المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية. استبدال القيادات المهنية بشخصيات أكثر قرباً سياسياً من الإدارة قد يؤدي إلى فقدان التقديرات الاستخباراتية لموضوعيتها وتحولها إلى أدوات دعائية.
تأثير على الثقة الدولية:
إضعاف استقلالية المؤسسات الاستخباراتية يثير مخاوف لدى الحلفاء الدوليين، خاصة فيما يتعلق بمشاركة المعلومات الاستخباراتية الحساسة والثقة في التقديرات الأمريكية للتهديدات العالمية.










