سيطر الحزن والأسى على الوسط الإعلامي المصري مع إعلان وفاة الإعلامية عبير الأباصيري، في واحدة من أكثر الوقائع المؤلمة التي هزت ماسبيرو ودفعت لفتح ملفات الإهمال الطبي والرعاية الاجتماعية في القطاع الإعلامي، خاصة بعد الظروف الإنسانية الصعبة التي مرت بها قبل رحيلها بأيام قليلة.
بداية الأزمة الصحية
في ليلة الأربعاء الماضي، تعرضت عبير الأباصيري، معدة البرامج المخضرمة في التلفزيون المصري، لجلطة حادة في المخ بينما كانت في منزلها بمنطقة فيصل، حيث لم تسعفها صحتها لاستدعاء أحد من الأقارب أو الإعلاميين، فلجأت إلى جارها الصغير فادي، البالغ من العمر 16 عاماً، الذي اتصل بالإسعاف على الفور. وتم نقلها لأقرب مستشفى، وهو مستشفى الهرم، لتبدأ فصول القصة المؤلمة.
اتهامات بالإهمال الطبي
وفقاً لشهادات زميلاتها وصديقاتها، رفض المستشفى استقبال عبير أو تقديم العلاج اللازم لها قبل دفع 1400 جنيه، المبلغ الذي لم يكن متوفراً مع الجار الصغير أو حتى مع المرحومة نفسها. استمرت مأساة الانتظار لأكثر من ست ساعات في الاستقبال بلا أي تدخل عاجل لعلاج الجلطة، ما أدى لدخولها في مرحلة غيبوبة تامة وتدهور حالتها الصحية.
ونُشرت مناشدات عاجلة على مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذ عبير الأباصيري، وكتب عدد من الإعلاميين بلغة مؤلمة عن غياب الدعم المهني والإنساني الذي كان ينبغي أن يحصل عليه أي مواطن في أزمة كهذه، خاصة أن المستشفى غير تابعة للتلفزيون المصري أو نقابة السينمائيين.
الرحيل المُفاجئ والوداع الصامت
رحلت عبير الأباصيري صباح الجمعة 29 أغسطس 2025، لترحل بصمت بين جدران المستشفى وسط غياب تام للأقارب، وهو ما دفع زملاءها في ماسبيرو لإتمام إجراءات الدفن بأنفسهم احتراما لذكراها، إذ لم يستدل عليهم رغم البحث.
أقيمت صلاة الجنازة في مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، ثم انتقلت إلى مدافن آل الدفتار بالدراسة، في مشهد عكس مدى صدق ووفاء زملاءها الذين لم يتركوا جسدها وحيداً في آخر المطاف. وقد توافد العشرات من الإعلاميين لتوديعها، وامتلأت صفحات السوشيال ميديا برسائل الحزن والعتاب، خاصة بعد رحيل زميلها الإعلامي عاطف كامل قبيل رحيلها بأيام قليلة.
ردود فعل رسمية وتحقيقات
تفاعلت وزارة الصحة مع موجة الجدل التي أثارتها عملية وفاة الإعلامية، وأعلنت فتح تحقيق في سياسات المستشفيات الحكومية فيما يتعلق باستقبال الحالات الطارئة دون شروط مالية مسبقة، مؤكدين أن حق العلاج للطوارئ مكفول للجميع ويجري التنسيق لعدم تكرار مثل هذه المواقف مستقبلاً.
وفي تصريحات للهيئة الوطنية للإعلام، أشاد عدد من القيادات بالأخلاق المهنية للراحلة وحرصها الدائم على دعم زملائها، فيما طالبوا بسرعة إيجاد آلية لضمان وصول الدعم والرعاية اللازمة للعاملين في ماسبيرو وقت الأزمات.
سيرة ومسيرة
عرفت عبير الأباصيري بين أروقة التلفزيون المصري بعملها الدؤوب ووجهها البشوش واجتهادها اللامحدود في إعداد البرامج، حيث شاركت لسنوات في تقديم برنامج الإعلامي الراحل عاطف كامل، وكان لها حضور مُحترم رغم قلة شهرتها الواسعة مقارنة بغيرها من الإعلاميين. واتسمت سيرتها المهنية بالصدق والطيبة، حتى أن كثيرًا من القيادات الإعلامية وصفوا رحيلها بأنه “خسارة جديدة للإعلام الوطني المصري”.
رحلت عبير الأباصيري تاركة خلفها تساؤلات مؤلمة حول علاقة الرعاية الطبية بكرامة الإنسان، ورسالة مفتوحة إلى كل من بيده القرار: أن الكرامة الإنسانية لا يمكن أن تكون رهينة لمبلغ مالي أو إهمال إداري. وستظل قصتها شاهدة على تحديات العاملين وراء الكواليس في التلفزيون الوطني. نسأل الله الرحمة لها ولكل من غادر الحياة في صمت.










