تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تطورات عسكرية خطيرة مع اقتراب قوات الدعم السريع من السيطرة الكاملة على مقر الفرقة السادسة مشاة التابع للجيش السوداني. هذا التقدم يثير تساؤلات جوهرية حول إمكانية سقوط إقليم دارفور بالكامل تحت سيطرة قوات محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”، وتأثير ذلك على مستقبل الصراع في السودان.
التقدم الميداني لقوات الدعم السريع
السيطرة على المواقع الاستراتيجية
حققت قوات الدعم السريع تقدماً ملموساً في الأسابيع الأخيرة، حيث تمكنت من السيطرة على قشلاق الفرقة السادسة الذي يضم سكن الجنود والضباط. كما توغلت في أحياء حيوية مثل الرديف والثورة والوادي جنوب الفاشر، مما يشكل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين.
أكدت مصادر ميدانية أن قوات حميدتي سيطرت على مواقع استراتيجية داخل المدينة، بما في ذلك مدرسة النجاح الأساسية النموذجية ومسجد الفاشر الكبير، على بعد نحو 800 متر فقط من مقر قيادة الجيش. كما أحكمت السيطرة على السجن القومي شالا ومقر الاحتياطي المركزي في الجهة الجنوبية الغربية للمدينة، بالقرب من مطار الفاشر الدولي.
الحصار المحكم
وصل الوضع الميداني إلى درجة حرجة، حيث باتت قوات الدعم السريع تحاصر مقر الفرقة السادسة مشاة والمدرعات والمدفعية من عدة محاور. أشارت التقارير إلى أن القوات الحكومية وحلفاءها محاصرون في مواقع محدودة تشمل موقع اليوناميد وبعض المواقع الحكومية.
المقاومة والدفاع
صمود الجيش السوداني
رغم التقدم الملحوظ لقوات الدعم السريع، تواصل الفرقة السادسة مشاة وحلفاؤها من القوة المشتركة المقاومة بشراسة. أعلنت الفرقة السادسة صدها لـالهجوم رقم 236 الذي شنته قوات الدعم السريع من المحور الشمالي الغربي، وتمكنها من الاستيلاء على ثلاث مركبات قتالية بكامل عتادها.
استخدم الجيش السوداني الطيران الحربي والمدفعية للرد على هجمات قوات الدعم السريع، حيث شن غارات جوية على تجمعات الميليشيات جنوب وغرب المدينة. كما تمكنت الدفاعات الجوية للجيش من إسقاط ست طائرات مسيرة كانت في طريقها لمعسكر الطلحة شمال الدويم.
التحديات التي تواجه المدافعين
يواجه الجيش السوداني وحلفاؤه تحديات جسيمة، حيث يشن حميدتي قصفاً مدفعياً يومياً يتراوح بين 300 وألف قذيفة. هذا القصف يستهدف التجمعات السكانية ومراكز الإيواء ومعسكرات النازحين، مما يزيد من معاناة المدنيين.
الأبعاد الاستراتيجية لمعركة الفاشر
المعنى السياسي والعسكري
تُعد الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور، وسقوطها يعني عملياً إخضاع الإقليم بالكامل لسيطرة قوات الدعم السريع. هذا الأمر سيمنح حميدتي السيطرة على إقليم دارفور بولاياته الخمس، مما يعزز موقفه التفاوضي في أي تسوية مستقبلية.
كما أن السيطرة على الفاشر ستفتح الطريق أمام قوات الدعم السريع للانفتاح شرقاً نحو ولايتي الشمالية ونهر النيل، وربما المساهمة في تهديد دفاعات الجيش في الخرطوم.
التداعيات الإقليمية
يحمل موقع الفاشر الجغرافي أهمية خاصة، حيث تقع على تماس مباشر مع تشاد وليبيا، وعلى مقربة من حدود جنوب السودان وأفريقيا الوسطى. بالتالي، فإن الجهة المنتصرة ستكتسب ثقلاً إقليمياً كبيراً، وستضطر الدول المجاورة للتعامل معها كأمر واقع.
جذور النزاع
بدأت حرب السودان الحالية في 15 أبريل 2023 عندما اندلع الصراع بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. نشأ الخلاف حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بموجب الاتفاق الإطاري.
تطور موازين القوى
شهدت قوات الدعم السريع تراجعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، خاصة بعد خسارتها مناطق واسعة في ولايتي الجزيرة والخرطوم لصالح الجيش السوداني. هذا التراجع دفع قوات حميدتي للتركيز على تعزيز سيطرتها في دارفور، آملة في ترسيخ وجودها هناك كنوع من “الدولة الانفصالية”.
الحكومة الموازية
في خطوة مثيرة للجدل، أدى حميدتي اليمين رئيساً للمجلس الرئاسي للحكومة الموازية في أغسطس 2025. هذه الخطوة تعكس سعيه لإضفاء الشرعية على سيطرته في المناطق الخاضعة لنفوذه، خاصة في دارفور.
السيناريوهات المحتملة
سقوط الفاشر
إذا نجحت قوات الدعم السريع في السيطرة على الفاشر، فسيعني ذلك إخضاع دارفور بالكامل لسيطرة حميدتي. هذا السيناريو سيمنح قوات الدعم السريع موقعاً قوياً في أي مفاوضات مستقبلية، ويمكن أن يؤدي إلى تقسيم فعلي للسودان.
الصمود والمقاومة
في المقابل، إذا نجح الجيش السوداني وحلفاؤه في الصمود، فسيحافظون على آخر معاقلهم في دارفور، ويمكنهم من استخدام الفاشر كقاعدة لاستعادة بقية مدن الإقليم. كما سيقطع أحد أهم مصادر الإمداد البشري واللوجستي لقوات الدعم السريع.
التسوية السياسية
يبقى السيناريو الثالث هو التسوية السياسية، والتي تعتمد على نجاح المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي في فرض حل سياسي. لكن التجارب السابقة مثل منبر جدة ومبادرة إيجاد لم تحقق نتائج ملموسة.










