في تطور لافت في العلاقات المعقدة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، زار وفد أمريكي رسمي العاصمة الأفغانية كابول يوم 13 سبتمبر، يقوده آدم بوهلر، الممثل الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن، برفقة زلماي خليل زاد، مهندس اتفاق الدوحة والمبعوث الأمريكي الأسبق للسلام في أفغانستان.
الزيارة التي استمرت عدة أيام تأتي في ظل تصاعد التوترات حول ملف الرهائن الأمريكيين المحتجزين لدى طالبان، وعلى رأسهم محمود شاه حبيبي، وفي وقت أعاد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التأكيد على رغبته في استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية، شمال كابول، التي كانت مركزا لعمليات واشنطن العسكرية لعقود.
الرهائن وباغرام: ورقتا تفاوض على الطاولة
يرتبط ملف الرهائن الأمريكيين بعمق بمطالب سياسية وأمنية من كلا الجانبين. فمن جانب واشنطن، فإن إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المحتجزين يعد شرطا أساسيا لأي انفتاح سياسي تجاه حكومة طالبان. بالمقابل، ترى طالبان أن ملف الرهائن يمكن استغلاله للحصول على تنازلات تشمل الاعتراف الدولي بحكومتها
وكذلك رفع العقوبات المفروضة عليها، الإفراج عن الأصول المجمدة للبنك المركزي الأفغاني.
الحصول على مساعدات اقتصادية وتنموية
ووفقا لمصادر فإن الوفد الأمريكي أبلغ طالبان رسائل واضحة تتعلق بهذه الملفات، وخصوصا مسألة باغرام، التي باتت محورا جيوسياسيا بين الولايات المتحدة والصين، نظرا لموقعها الاستراتيجي القريب من الحدود الصينية.
لقاءات رمزية… ورسائل سياسية
اللقاء الذي جمع الوفد الأمريكي مع الملا عبد الغني برادار – نائب رئيس وزراء طالبان للشؤون الاقتصادية – كان أول لقاء مباشر بين الطرفين منذ سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021. اللقاء حمل رمزية خاصة، إذ سبق لبرادار أن وقع اتفاق الدوحة باسم طالبان عام 2020، ويعد شخصية ذات علاقات وثيقة بالولايات المتحدة.
ظهر زلماي خليل زاد ببدلته المعتادة وربطة عنق رسمية، بينما ارتدى آدم بوهلر زيا رمزيا أقل رسمية: قبعة سوداء وسترة ميدانية بشعار العلم الأمريكي، في محاولة لتجنب إعطاء انطباع بـ”التفاوض الرسمي”.
وفي بيان رسمي، دعا الملا برادار الولايات المتحدة إلى “المشاركة بدلا من المواجهة”، مؤكدا على أهمية استمرار العلاقات الاقتصادية والسياسية. كما أشار بوهلر إلى أن “اتفاق الدوحة لم ينتهك من قبل أي طرف”، مضيفا أن تبادل الأسرى قد يشكل خطوة نحو تقارب تدريجي بين الجانبين.
محمود شاه حبيبي… الرهينة الغامض
من أبرز الرهائن المحتجزين، وفق تقارير غربية، هو محمود شاه حبيبي، الرئيس السابق لهيئة الطيران المدني، والحاصل على الجنسية الأمريكية. اعتقلته طالبان في كابول بعد وقت قصير من مقتل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة.
تتهم طالبان شركة الإنترنت الأمريكية التي كان يعمل فيها حبيبي بالتورط في العملية الجوية التي استهدفت الظواهري. وتصر طالبان على إنكار وجوده في أفغانستان، بينما تشير تقارير إلى نقله إلى قندهار، معقل القيادة العليا، تحت إشراف فصيل متشدد يعارض أي صفقة تبادل.
وتخشى طالبان من أن تؤدي أي صفقة تتعلق بحبيبي إلى تصعيد داخل الحركة، أو إثارة حفيظة تنظيم القاعدة، ما قد يؤدي لانشقاقات خطيرة أو تعاون الأخير مع خصوم طالبان مثل تنظيم الدولة (ولاية خراسان).
الجغرافيا والنووي… باغرام تعود إلى الواجهة
في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قال الرئيس ترامب:
“باغرام تبعد ساعة واحدة فقط عن مصانع الأسلحة النووية في الصين. نحن نحتاجها لأسباب تتعلق بالأمن القومي”.
وقد تكررت انتقادات ترامب للرئيس بايدن بسبب قرار الانسحاب الكامل من أفغانستان. ويعتبر ترامب أن استعادة باغرام قد تشكل قاعدة جديدة للضغط على الصين، التي بدأت بالفعل بالتوسع في أفغانستان من خلال استثمارات في المعادن الأرضية النادرة.
تشير هذه التصريحات إلى أن واشنطن تنظر إلى باغرام ليس فقط كمنشأة عسكرية، بل كورقة جيوسياسية على حدود خصمها الاستراتيجي.
طالبان والرهائن: لعبة خطرة
استخدام الرهائن كورقة ضغط دبلوماسي ليس أمرا جديدا في السياسة الخارجية، لكنه في حالة طالبان محفوف بمخاطر كبيرة. فالتحرك الخاطئ قد يكشف الخلافات الداخلية بين فصائل الحركة، ويؤدي إلى انهيار حالة “التوازن الحذر” التي تحافظ عليها طالبان منذ عودتها إلى السلطة.
كما أن الإفراج عن شخصيات أمريكية، دون مقابل واضح، قد ينظر إليه كضعف أمام المجتمع الدولي، في وقت تكافح فيه الحركة للحصول على شرعية سياسية.










