تتباين مسيرات المدربين بين من يسطع نجمهم بسرعة ومن يختفي في صمت، ومنهم من يتأرجح بين النجاح والإخفاق. المدرب البرتغالي برونو لاج (Bruno Lage) ينتمي إلى هذه الفئة الأخيرة، بعدما ذاع صيته في بنفيكا البرتغالي ولفت أنظار المتابعين، لكنه واجه تحديات معقدة خاصة خلال تجربته مع فريق وولفرهامبتون الإنجليزي
.البدايات والرهان على الشباب
ينحدر لاج من مدرسة كرة القدم البرتغالية التي اشتهرت بتخريج أجيال من المدربين المبدعين، بدءًا من جوزيه مورينيو وصولًا إلى أندري فيلا بواش. بدأ مسيرته كمدرب مساعد في أكاديميات الناشئين، حيث أظهر قدرة مميزة على قراءة المباريات والعمل على تطوير المواهب الصغيرة.
أبرز ما ميز بداياته هو إيمانه بضرورة منح الفرص للاعبين الشباب، وهو ما ظهر جليًا عندما تولى مسؤولية بنفيكا الأول عام 2019. في نصف موسم فقط، تمكن من إعادة التوازن إلى الفريق الذي كان يعاني، وقاده لتحقيق لقب الدوري البرتغالي بفضل الاعتماد على عناصر شابة أبرزهم جواو فيليكس، الذي أصبح لاحقًا أحد أبرز نجوم أوروبا.نجاح سريع ثم تراجع مبكرحصد برونو لاج إشادة واسعة من الإعلام والجماهير بعد موسمه الأول المذهل مع بنفيكا، ووُصف حينها بأنه مشروع مدرب كبير يحمل “حمضًا برتغاليًا جديدًا” يواصل تقاليد النجاح. لكن سرعان ما تقلص بريقه حينما تراجع أداء الفريق في الموسم التالي بشكل ملحوظ، ليخرج بلا ألقاب ويواجه انتقادات حادة.
رغم فترته القصيرة، يرى محللون أن أسلوبه التكتيكي كان جريئًا، يعتمد كثيرًا على الضغط العالي وسرعة التحول الهجومي، لكنه أحيانًا افتقر إلى التوازن الدفاعي المطلوب خاصة أمام الفرق المنظمة.التجربة الإنجليزية مع وولفرهامبتونعام 2021، اختار لاج خوض تجربة مختلفة تمامًا بانتقاله إلى الدوري الإنجليزي الممتاز مع وولفرهامبتون واندررز. جاء خلفًا لمواطنه نونو إسبيريتو سانتو، في وقت كان فيه الفريق بحاجة لتجديد دمائه.
في موسمه الأول، قدم لاج أداءً لافتًا لبعض الفترات، حيث نجح في جعل وولفرهامبتون واحدًا من الأصعب تجاوزًا دفاعيًا، وحقق نتائج طيبة ضد كبار البريميرليغ. ومع ذلك، اصطدم الفريق بعقم هجومي واضح، حيث اعتبر كثيرون أن فلسفة لاج لم تنجح في إظهار الجانب الإبداعي الذي ينتظره المشجعون.
مع بداية الموسم الثاني، ازدادت الضغوط بعد سلسلة من النتائج السلبية، فكانت النهاية الطبيعية بإقالته في أكتوبر 2022. بالنسبة للبعض، كان رحيله متوقعًا نتيجة سوء الحظ والإصابات وتراجع الفاعلية الهجومية، بينما رأى آخرون أنه لم يتمكن ببساطة من التأقلم مع طبيعة المنافسة الشرسة في إنجلترا.قراءة في شخصيته التدريبيةيملك برونو لاج شخصية هادئة ومنهجية، بعيدًا عن الصخب الإعلامي. عرف عنه أنه مدرب عملي يعتمد على التفاصيل الصغيرة في الإعداد للمباريات. لكنه أيضًا من النوع الذي قد يفتقر إلى “الكاريزما” التي تمنح المدربين قدرة على التأثير النفسي في اللاعبين والجماهير.
ويتفق أغلب المراقبين على أن لديه قدرة تكتيكية جيدة، إلا أن ثغراته تكمن في ضعف الاستمرارية والقدرة على مواجهة الضغوط في اللحظات الحرجة.مستقبل لاج بين الطموح والتحدياتاليوم، وبعد مروره بهذه التجارب المتباينة، يقف برونو لاج على مفترق طرق في مسيرته التدريبية. فالبعض يرى أن العودة إلى الدوري البرتغالي أو الانتقال لإحدى الدوريات المتوسطة قد تكون فرصة لإعادة بناء سمعته واستعادة الثقة. بينما يعتقد آخرون بأنه يمتلك المقومات للعودة إلى منافسات كبرى إن تمكن من استدراك أخطائه السابقة وتحقيق استقرار في النتائج.
ما لا يختلف عليه المتخصصون أن لاج ما زال في منتصف الطريق، وأن كرة القدم الأوروبية تمنح دومًا فرصًا ثانية، خاصة لأولئك الذين أثبتوا في وقت سابق قدرتهم على صناعة الفارق.في النهاية، يمكن القول إن برونو لاج يمثل الوجه المتقلب لمسيرات المدربين الشباب: قفز سريع إلى القمة مع بنفيكا، ثم تعثر واضح مع وولفرهامبتون.
ويبقى السؤال الذي يترقبه الجميع، هل يستطيع العودة بأفكار أكثر نضجًا وتجارب أكثر حكمة، أم أن أثر إنجلترا سيظل وصمة على مسيرته القادمة؟










