تعيش مصر في الفترة الأخيرة أزمة غير مسبوقة تتعلق بعقار الباراسيتامول، أحد أشهر المسكنات وخافضات الحرارة، حيث تصاعدت شكاوى المواطنين من نقص الدواء في الصيدليات وارتفاع سعره بجانب ظهور حالات تسمم مرتبط بتجاوز معدلات الاستخدام الآمن للدواء. تضع هذه الأزمة القطاع الصحي تحت ضغوط مضاعفة وتبعث بقضايا الرقابة الدوائية والسلامة العامة إلى صدارة النقاش المجتمعي
.مشهد الأزمة: نقص وغلاء وحالات تسممبدأت المشكلة مع تغير مفاجئ في أسعار الباراسيتامول منذ يونيو 2025، حيث سجلت العبوات الشهيرة زيادة ما بين 14 إلى 20 جنيهًا للعبوة الواحدة، ما رفع السعر من 46 إلى نحو 60 جنيهًا، بحجة ارتفاع تكلفة الإنتاج والاستيراد.
بالتوازي مع هذا الصعود، أبلغ كثير من المواطنين عن صعوبة بالغة في إيجاده، خصوصًا في الأقاليم والصيدليات الصغيرة، بينما أطلقت صيحات برلمانية لمحاسبة الشركات والمخازن المتلاعبة في توزيعه
.تفاقمت الأزمة بشكل خاص مع إعلان هيئة الدواء المصرية عن رصد حالات تسمم كبدي حاد بسبب الإفراط المزمن في أخذ جرعات الباراسيتامول، وتم تسليط الضوء على حالة مريض بالغ تناول بين 4 و5 جرامات يوميًا لعلاج آلام المفاصل، مما أدى إلى ارتفاع مهول في إنزيمات الكبد وأعراض خطيرة كاليُرقان (اصفرار الجلد والعينين) وإرهاق عام استدعت تدخلاً علاجياً عاجلاً
.تحذيرات علمية وصحية رسميةأكدت هيئة الدواء المصرية أن الباراسيتامول يظل آمنًا عند استخدامه ضمن الجرعات الموصى بها (أقل من 4 جرامات يوميًا للبالغين)، لكن تجاوزه لفترات طويلة قد يقود إلى التسمم الكبدي والفشل الحاد بل والوفاة في بعض الحالات. وقد أكدت الهيئة أن معظم حالات التسمم الناتجة عن زيادة الجرعة يمكن إنقاذها عند التدخل العلاجي في الوقت المناسب باستخدام عقار “NAC”، ومع ذلك فقد سجلت حالات طوارئ سألت عن سبب النقص في الدواء وغياب التوعية، وسط تخوف عارم من شراء عبوات مغشوشة بالسوق السوداء
.الأطباء المختصون يحمّلون الأسرة والإعلام مسؤولية نشر الثقافة الدوائية والانتباه لمخاطر الإفراط، ويحذرون من تكرار صرف الباراسيتامول بلا إشراف طبي أو اللجوء لنصائح غير المختصين، خاصة في صفوف كبار السن والأطفال ومرضى الكبد المزمن
.جذور الأزمة وحالة الأسواقتعكس أزمة الباراسيتامول وضع سوق الدواء المصري المضطرب، فقد تكررت شكاوى المواطنين مؤخراً من النقص الحاد في الأدوية الأساسية وارتفاع أسعارها الرهيب، في ظل تضارب البيانات الرسمية حول وفرة المخزون
. وقد أشار نواب برلمان إلى ضعف رقابة الوزارة على خطوط الإنتاج والتوزيع، مع ظهور سلوكيات احتكارية لبعض الشركات والمخازن بهدف رفع الأسعار أو خلق سوق سوداء.التقارير البرلمانية تؤكد أن الوزارة مطالبة بخطة شفافة تعلن فيها قوائم الأدوية المتوفرة بشكل دوري، وإحكام الرقابة الفعلية على خطوط الإنتاج لضمان عدم اللجوء إلى العلاجات البديلة ذات الجودة الأقل أو المخاطر الأعلى، إضافة لفرض عقوبات مشددة على المتلاعبين بسعر الدواء
.أثر الأزمة على الأسر المصريةيتضرر من هذه الأزمة المرضى المزمنون وعائلاتهم بشكل خاص، إذ يُعد الباراسيتامول الملجأ الأول لخفض الحرارة وعلاج الآلام الخفيفة والمتوسطة لكونه زهيد الثمن ومتوافر غالباً. ومع اختفائه وارتفاع سعره، يعاني الفقراء والطبقة الوسطى من البحث المرير عن علاج بديل أكثر كلفة أو أقل فعالية، ما يفاقم أعباء المرض والاستهلاك
.جهود الاستجابة والتحذيراتاستجابت وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية بالتشديد على الرقابة في سوق الدواء، وتخصيص خط ساخن رسمي لتلقي شكاوى المواطنين حول الأدوية الناقصة والمنتجات المغشوشة (15301)، مع رفع جاهزية نظام الإنذار السريع لأي بلاغات تسمم أو حالات حرج ناتجة عن الاستعمال الخاطئ للعلاجات المسكنة
. وتم التواصل مع شركات التوزيع لمتابعة المخزون وتوجيه حملات ميدانية على الصيدليات والمخازن.كما نصحت الهيئة بعدم تناول جرعات زائدة من الباراسيتامول، وشددت على مراجعة الطبيب فور ظهور أعراض كالغثيان، الإعياء الشديد، اصفرار الجلد أو أي مؤشرات على مشاكل في الكبد، محذرة من تجاوز الجرعة الآمنة لأي سبب حتى مع استمرار الألم أو الحمى










