قال الباحث السياسي الفلسطيني المقيم في تركيا، جلال سلمي، مدير قسم الاستشارات السياسية في مركز برق للاستشارات والدراسات المستقبلية، إن خطوة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) برفع العلم السوري فوق معبر سيمالكا الحدودي مع العراق، تشكل تطورا لافتا في ظل تعثر المفاوضات المباشرة بينها وبين الحكومة السورية.
في أواخر أيلول/سبتمبر 2025 شهد معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان العراق حدثا رمزيا ولكنه ذا دلالات سياسية واضحة: قامت إدارة مناطق شمال وشرق سوريا (قسد/الإدارة الذاتية) برفع العلم السوري إلى جانب علمها فوق المعبر. هذه الخطوة أثارت ردودا رسمية سورية انتقدت ما وصفته بـ«الخطوة الأحادية»، وأطلقت سلسلة من التساؤلات عن المقصود من وراءها، ومن الرابح والخاسر، وكيف ستنعكس على مسار المفاوضات والضغوط الإقليمية والدولية.
وأوضح سلمي أن رفع العلم السوري إلى جانب علم “قسد” ومن دون تنسيق مع الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية يعكس رغبة “قسد” في ترسيخ خطوات سياسية على الأرض تذكر بالنموذج الكردي في العراق، حيث يقوم نظام فيدرالي لامركزي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تبقى القوة الوحيدة القادرة على الضغط الفعلي على “قسد” للقبول بالاندماج ضمن مؤسسات الدولة السورية، لافتا إلى أنه في حال غياب تحرك أمريكي، قد تدعم تركيا الحكومة السورية لتحريك العشائر تحت مبرر رغبتها في استعادة مناطقها في دير الزور والرقة.
ورغم أن الحل العسكري يظل مطروحا، إلا أن سلمي يرى أنه محفوف بتداعيات سلبية قد تفتح الباب أمام تدويل المسألة وربما إيجاد “نموذج مشابه للسويداء”، إضافة إلى اعتراض أمريكي محتمل يفرض ضغوطا دبلوماسية لا ترغب دمشق ولا أنقرة في تحملها بالوقت الراهن.
وفي ظل هذا الجمود، يؤكد سلمي أن الحكومتين السورية والتركية قد تتجهان إلى تكثيف الأدوات الاستخبارية، من خلال استهداف شخصيات متشددة، وتوسيع الانتشار العسكري حول مناطق سيطرة “قسد”، إلى جانب تصعيد التحركات الدبلوماسية عبر:
تنسيق تركي مع أربيل وبغداد للضغط الاقتصادي على مناطق “قسد”.
مفاوضات أنقرة النشطة مع واشنطن وموسكو لمقايضة الأوراق.
غض دمشق الطرف عن تحركات عشائرية محدودة ضد “قسد” شرق البلاد.
سيناريوهات المواجهة بين قسد ودمشق
المشهد المقبل سيظل مرهونا بمدى استعداد “قسد” للتنازل عن نهجها الحالي، في مقابل تمسك دمشق وأنقرة بتغيير المعادلة عبر مزيج من الضغوط الأمنية والسياسية والدبلوماسية.
سيناريوهات محتملة للمستقبل القريب (وتداعيات كل منها)
سيناريو أ — استثمار سياسي تفاوضي (السيناريو الأكثر تفضيلا)
محتوى السيناريو: قسد تبقي الخطوة رمزية وتستخدمها كركيزة للتفاهم حول آليات دمج مدنية وعسكرية تضمن حقوقا محلية ضمن إطار دستوري موجه.
التداعيات: تخفيف خطر التصعيد، فتح قنوات تفاوض بإشراف دولي (واشنطن/موسكو/أنقرة)؛ قابلية لاحتواء مطالب اللامركزية ضمن وحدة الدولة.
احتمال الحدوث: متوسط، بشرط تحركات دبلوماسية أميركية فعالة وتجاوب تركي-عربي مدفوع بمصالح اقتصادية.
سيناريو ب — تحرك تركي-عشائري مدعوم (ضغط ناجز لكن محدود)
محتوى السيناريو: أنقرة تشجع أو تسهل تحركات عشائرية لخفض نفوذ قسد في مناطق محددة، مع ضغوط اقتصادية عبر أربيل وبغداد.
التداعيات: توتر محلي، تزايد الاشتباكات منخفضة الشدة، وتهديد لاستقرار الاستيعاب الاجتماعي؛ لكن الحل سيبقى دون حملة عسكرية شاملة خوفا من التداعيات الدبلوماسية.
سيناريو ج — حل عسكري واسع (خطر مرتفع مع كلفة إقليمية)
محتوى السيناريو: عملية عسكرية لدمج المناطق بالقوة — إما بدعم تركي مباشر أو عبر دعم فصائل محلية تابعة لدمشق.
التداعيات: خسائر واسعة، مخاطر إنسانية وهجرة داخلية، تمدد التدخل الدولي وردود فعل دبلوماسية قد تصل إلى تدويل القضية (ضغط من واشنطن وأوروبا، ومخاطر استقطاب لاعبين إقليميين). هذا السيناريو قد يغير قواعد اللعبة لكنه مكلف جدا لجميع الأطراف.
سيناريو د — تصاعد عمليات استخباراتية وتضييق تدريجي (مسار الظل)
محتوى السيناريو: استخدام الأدوات الاستخبارية (اغتيالات، ضربات مركزة، حملات أمنية محلية) مع تشديد محاصرة اقتصادية وسياسية على مناطق قسد.
التداعيات: زعزعة أمنية مستمرة مع محاولة لفرض معادلات جديدة دون مواجهة عسكرية مباشرة—خيارات تفضلها دمشق وأنقرة في حال رغبتهما بتجنب ارتدادات دولية كبيرة.










