أصدرت المحكمة العليا الهولندية يوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 حكمًا ملزمًا للحكومة يقضي بوجوب مراجعة سياسة تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، في خطوة تعكس تصاعد الضغوط القانونية والأخلاقية على هولندا كإحدى دول الاتحاد الأوروبي والناتو فيما يتعلق بدورها غير المباشر في النزاعات الدائرة بالشرق الأوسط، وخاصة الحرب الإسرائيلية على غزة
. وتمنح المحكمة الحكومة مهلة مدتها 6 أسابيع لإنهاء مراجعة شاملة للتراخيص الممنوحة لتصدير مكوّنات الطائرات المقاتلة من طراز F-35 إلى إسرائيل، وبذلك تظل شحنات المكوّنات محظورة مؤقتًا إلى حين استكمال هذا التقييم
.خلفية القرار والحيثيات القانونيةجاء حكم المحكمة العليا تجاوبًا مع دعوى قضائية رفعتها ثلاث منظمات حقوقية هولندية نهاية 2023، أكدت أن استمرار نقل قطع غيار مقاتلات F-35 إلى إسرائيل قد يجعل هولندا متواطئة في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وارتكاب جرائم حرب محتملة في الحرب على غزة
. المحكمة الابتدائية في لاهاي رفضت بدايةً الحظر الكلي وطالبت الحكومة بوقف الشحنات وفق تقديرها، لكن قضية الاستئناف في فبراير 2024 فرضت على الحكومة إيقاف التصدير بدعوى وجود خطر واضح على المدنيين يتعارض مع القانون الدولي
. بدورها، استأنفت الحكومة القرار أمام المحكمة العليا، مبررةً بأن السياسة الخارجية قضية تنفيذية لا شأن للقضاء بها بشكل مباشر
.فحوى الحكم الجديد وتداعياتهلم تذهب المحكمة العليا إلى حد فرض حظر تام أو دائم، بل أوكلت إلى الحكومة مسؤولية إجراء تقييم قانوني وأخلاقي كامل خلال 6 أسابيع، ما يعني أن القرار التنفيذي النهائي يبقى في يد الحكومة، لكن تحت المجهر القضائي والحقوقي
وأوضح الحكم ضرورة إعادة النظر في تراخيص التصدير، والتأكد من استبعاد خطر استخدام هذه المكونات العسكرية في أي عمليات محتملة تنتهك القانون الدولي الإنساني في الأراضي التي تشهد نزاعًا مثل غزة.ميدانيًا، تدرس شركات الصناعات الدفاعية الهولندية وشركاؤها الدوليون تأثير هذا القرار، حيث تمتلك هولندا واحدًا من ثلاثة مستودعات إقليمية مهمة لقطع غيار مقاتلات F-35 المملوكة للولايات المتحدة، ما يزيد من حساسية ملف الأسلحة بين هولندا وحلفائها
. يرى العديد من الحقوقيين أن هذا الحكم يمثل انتصارًا للضغط الشعبي وللمنظمات المدنية المطالبة بمسؤولية أخلاقية للقارة الأوروبية، مطالبين بالمزيد من الشفافية في عقود التصدير وتدقيق ملف امتثالها لحقوق الإنسان والمعايير الدولية
.الموقف الأوروبي والتداعيات الخارجيةهذا التطور يزيد الضغوط على الحكومات الأوروبية للنظر بعين الاعتبار إلى دعاوى المنظمات المدنية والامتناع عن تصدير الأسلحة لطرف يُحتمل استخدامه لها في انتهاك القانون الدولي. إذ سبق أن أوقفت بريطانيا وإسبانيا صفقات تصدير أسلحة لإسرائيل منذ بداية الأزمة الأخيرة، كما اتخذت سلوفينيا إجراءات مماثلة في أغسطس 2025 بحظر استيراد وتصدير وعبور جميع الأسلحة من وإلى إسرائيل، وتخضع فرنسا وبلجيكا حالياً لدعاوى قضائية مشابهة
القرار الهولندي سيرسم حتمًا توجهات الشركاء الأوروبيين في الملف، خاصة مع تصاعد الانتقادات لمواقف القارة بشأن ازدواجية المعايير
.دلالات سياسية وقانونيةالقرار يختبر قدرة هولندا والدول الأوروبية عامة على المواءمة بين التزامات الدفاع والأمن، من ناحية، ومعايير حقوق الإنسان الدولية من ناحية أخرى
وتدرك الحكومة الهولندية أن أي تخفيف أو تشديد في سياسات التصدير سيكون له صدى قوي في الداخل الأوروبي وربما في علاقاتها بالولايات المتحدة وشركاء الناتو، كما يُرتقب أن يكون الحكم دافعًا لإجراءات تشريعية وتنظيمية صارمة على المستوى الأوروبي فيما يخص تصدير الأسلحة لمناطق النزاع
بهذا تسير هولندا نحو مفترق طرق بين مسؤولياتها كحليف غربي وبين مطالب شعبية وحقوقية بعدم تقديم السلاح لمن يُحتمل تورطه في الانتهاكات، في انعكاس لمعادلات القانون الدولي والأخلاقيات وسط الحروب الدائرة بالمنطقة









