يشهد مشروع تحويل مجمع التحرير التاريخي في وسط القاهرة إلى فندق سياحي فاخر، والمعروف باسم “كايرو هاوس”، تعثرات ومعوقات منذ توقيع العقد في ديسمبر 2021 وحتى أكتوبر 2025، ما يثير العديد من التساؤلات حول مصير هذا المشروع الاستراتيجي الذي تعول عليه الحكومة المصرية لتعزيز قطاع السياحة وتنشيط وسط العاصمة.
جدلية التمويل والقرض الكبير
بعد أربع سنوات من توقف أعمال المشروع، لجأت الحكومة المصرية إلى تعبئة تمويل محلي عبر تحالف مصرفي بقيادة بنكي “مصر” و”العربي الأفريقي الدولي”، إضافة إلى بنك القاهرة وبنك “نكست”، لمنح شركة “كايرو هاوس إيجيبت للتطوير العقاري” قرضًا ضخماً بقيمة 15 مليار جنيه مصري (حوالي 312 مليون دولار)، يسدد على مدار سبع سنوات.
هذا القرض الذي يمثل خمسة أضعاف قيمة التمويل التعاقدي المعلن في 2021 أثار انتقادات اقتصادية واسعة، خاصة من خبراء يرون أنه يحمل مخاطر على النظام المصرفي المصري بسبب الضغوط على البنوك المحلية، التي تعاني أساسًا من نقص في العملات الأجنبية، واعتبر بعضهم أن هذا التمويل يشبه تحويل استثمار أجنبي مباشر عبر تمويل محلي، بينما قد تبقى الأصول لدولة ومكلفة على المدى الطويل
.التأخيرات الفنية والإدارية
رغم الوعود الحكومية بأن ينتهي المشروع بحلول نهاية 2024، إلا أن الواقع على الأرض يشي بأن التنفيذ لا يزال متوقفاً، حيث لاحظ مراسلون توقف الأعمال داخل المبنى، وتغير لافتة المشروع وطلاء الواجهة فقط دون العمل الداخلي أو توفير خدمات مثل مواقف السيارات
. هذه المعوقات أثرت على قدرة الفندق على افتتاح أبوابه في الموعد المحدد وأثرت على صورة المشروع أمام المستثمرين والسياح المحتملين.التعاقدات المتشابكة وتأثيرها
في خطوة مفاجئة، منحت الحكومة السعودية لشركة “الشريف” حق استغلال موقف سيارات “عمر مكرم” المجاور لمجمع التحرير بعقد يمتد 15 سنة، والذي كان من المتصور أن يخدم نزلاء الفندق. هذا العقد أثار استغراباً، إذ لا يوفر بديلاً لعشاق الفندق من موقف سيارات مخصص، ويعرض موقف السيارات العام بأسعار مرتفعة، كما أن مطالبة المطورين بتحويل جزء من ميدان التحرير إلى حديقة خاصة بالفندق تصطدم بتعقيدات تقنية وفنية مرتبطة بخط مترو الأنفاق والتنسيق الحضري، مما يعقد إتمام المشروع.الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
يرى عدد من الاقتصاديين أن السياسات الحكومية في إدارة أصول الدولة تمر بمنهجية قد تؤدي لتنازلات تتعلق بالهيمنة الأجنبية على الأصول العامة مقابل وعود مبهمة بالعائدات، حيث تستفيد الشركات الأجنبية من الانتقال المالي وليس بالضرورة عوائد حقيقية بالدولار
. وتضيف هذه القروض أعباءً على الاقتصاد الذي قد يتطلب في المستقبل تدخل الدولة لتجنب تداعيات محتملة على الاستقرار المصرفي إذا تعثر المشروع في تحقيق العوائد التشغيلية المطلوبة.وجهات نظر حكومية
في المقابل، ترى الحكومة أن القرض الجديد ضروري لتسريع تنفيذ المشروع، وأن فندق “كايرو هاوس” سيكون رمزاً سياحياً جديداً يعزز قطاع السياحة باعتباره من المصادر الرئيسة للنقد الأجنبي في مصر.
كما يؤكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي استمرار الجهود لزيادة الطاقة الفندقية لاستيعاب الأعداد المتوقعة من الزوار مستقبلاً، ويرى أن المشروع ضمن استراتيجية أوسع لإحياء وسط البلد التاريخي.تفاصيل فنية للمشروع
يخطط الفندق الجديد أن يضم حوالي 500 غرفة وجناح فندقي، وشقق فاخرة، إلى جانب مطاعم ومرافق ترفيهية تشمل مسبحًا على السطح يطل على ميدان التحرير، ومساحات مخصصة للاجتماعات والفعاليات. المشروع يديره تحالف دولي يضم شركات إماراتية وأمريكية معروفة، ويُدار من قبل مجموعة “ماريوت إنترناشيونال” تحت علامة “أوتوغراف كولكشن”
أزمة فندق مجمع التحرير ليست فقط قصة تعثر مشروع فندقي، بل تعكس تحديات أكبر في إدارة أصول الدولة، التمويل، وضغوطات الاقتصاد الكلي، حيث ينتظر الجميع رؤية حكومية واضحة وخطط تنفيذية دقيقة تضع المشروع على الطريق الصحيح.
وفي حال نجاح التنفيذ، قد يتحول مجمع التحرير إلى وجهة سياحية عالمية تعيد الحياة إلى قلب القاهرة، لكن دون شفافية أكبر واعتبارات اقتصادية متوازنة، تبقى المخاوف قائمة.










