نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، بالتعاون مع منصة لا سيّا فاسيا الكولومبية، تحقيقاً استقصائياً يكشف كيف تحوّلت الحرب في السودان إلى مسرح جديد لتجنيد المرتزقة الكولومبيين، عبر شركات أمنية خاصة مرتبطة بـالإمارات العربية المتحدة، لدعم مليشيا الدعم السريع في معاركها ضد القوات المسلحة السودانية.
من كولومبيا إلى دارفور عبر الصومال
التحقيق الذي أعدّته الصحفية هارييت باربر من مدينة ميديين، والصحفي سانتياغو رودريغيز ألفاريز من بوغوتا، يستند إلى شهادة أحد المرتزقة ويدعى “كارلوس”، وهو جندي كولومبي سابق. يروي “كارلوس” أنه جُنّد من العاصمة بوغوتا، وسافر أولاً إلى قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بوصاصو الساحلية في الصومال، حيث خضع لتدريب إضافي، قبل أن يُنقل إلى مدينة نيالا في إقليم دارفور السوداني.
ويقول:
“كانت مهمتي الأولى تدريب المجندين السودانيين، ومعظمهم من الأطفال، على استخدام البنادق الهجومية والرشاشات وقاذفات RPG. كنا ندربهم ليذهبوا ويُقتلوا”.
أدلة مرئية وشهادات ميدانية
يُرفق التحقيق صوراً ومقاطع فيديو من داخل مناطق النزاع، تظهر وجود مقاتلين كولومبيين في الفاشر ومخيم زمزم للنازحين، الذي شهد مجزرة دامية في أبريل/نيسان الماضي، أودت بحياة مئات المدنيين بحسب توثيقات أممية. وتؤكد الشهادات الميدانية أن المرتزقة الأجانب شاركوا بشكل مباشر في السيطرة على المخيم بعد تهجير سكانه قسراً.
دور الإمارات وشركات الأمن الخاصة
يتهم التحقيق الإمارات بلعب دور “محوري ومنهجي” في تجنيد وتمويل هؤلاء المرتزقة، عبر شبكة من شركات الأمن والدفاع الخاصة التي تُستخدم كغطاء للعمليات القتالية بالوكالة. ويشير إلى أن هذا النمط يُعيد إلى الأذهان تجربة الإمارات في اليمن، حيث استخدمت مرتزقة من أميركا اللاتينية في قتال الحوثيين ضمن ما وُصف حينها بـ”خصخصة الحرب”.
ويؤكد التقرير أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تقليل الكلفة السياسية والقانونية على الدول الراعية، في ظل غياب المساءلة الدولية الفعالة.
كولومبيا: سوق للجنود السابقين
يوضح التحقيق أن كولومبيا، التي خرجت من نزاع مسلح طويل، تضم عشرات الآلاف من الجنود المدربين تدريباً عالياً، والذين يُجبرون على التقاعد في سن مبكرة، مقابل رواتب زهيدة وفرص اقتصادية محدودة. ويجعلهم ذلك فريسة سهلة لعروض شركات الأمن الخاصة، التي تُجنّدهم اليوم حتى عبر تطبيقات مثل واتساب وفيسبوك، برواتب تصل إلى آلاف الدولارات شهرياً.
يقول أحد الخبراء الأمنيين الذين استشهد بهم التحقيق:
“نحن نتحدث عن جنود يتم تجنيدهم كما لو كانوا سلعاً تُباع وتشترى، ويتم إرسالهم إلى نزاعات لا يعرفون شيئاً عنها، ليقتلوا أو يُقتلوا مقابل المال”.
الحروب بالوكالة… والدمار الحقيقي
يختتم التحقيق بالإشارة إلى أن الحرب في السودان تمثل أحدث فصول الحروب بالوكالة، حيث تديرها دول غنية مثل الإمارات من خلف الكواليس، عبر مقاتلين مأجورين، فيما يتحمّل المدنيون السودانيون الثمن الأكبر من دمائهم ودمار حياتهم.
ويخلص التقرير إلى أن “خصخصة الحرب” لا تقتصر على السلاح والمال، بل تشمل أيضاً الأرواح، حيث تحوّل النزاعات إلى تجارة دولية مربحة، تستغل فقر الجنوب لتغذي صراعات الشمال.










