يواجه سكان طهران أزمة مياه حادة تعد الأسوأ في القرن، بعد أن شهدت العاصمة العام الماضي هطول أمطار بلغ 159 مليمترا فقط — وهو أدنى مستوى يسجل منذ عقود — ما دفع مسؤولي شركة المياه الإيرانية “أبفا” إلى التحذير من أن النظام البيئي في طهران لم يعد يقوى على استيعاب عدد سكانها المتزايد، وأنها تقترب من أزمة مائية كاملة.
مؤشرات الجفاف: أرقام تحذر من الأسوأ
ووفقا لتصريحات محسن أردكاني، الرئيس التنفيذي لشركة مياه الشرب والصرف الصحي في طهران، فإن الجفاف الذي عاشته المحافظة العام الماضي يصنف بأنه “أشد جفاف تشهده طهران منذ قرن”.
وأشار إلى أن متوسط الهطول السنوي في السنوات الخمس الماضية ظل أقل بكثير من المعدل التقليدي.
ولم تقتصر الأزمة على النقص في الأمطار، بل امتدت إلى سدود العاصمة الرئيسية التي تكاد تنفد؛ ففي بعض التقديرات، انخفاض مخزون السدود وصل إلى مستويات حرجة لا تتجاوز 5٪ فقط من السعة الكاملة، ما يضع طهران على شفا نقص مائي حاد.
كما تشير التحليلات إلى أن تدفقات المياه من السدود نحو العاصمة – مثل ماملو، أمير كبير، لاريان، طالقان – قد تراجعت بشكل كبير، ما دفع المسؤولين إلى إصدار تحذيرات من أن 30 إلى 40٪ من مناطق طهران قد تواجه نقصا مطلقا في المياه في بداية أكتوبر إذا لم تتخذ خطوات عاجلة.
فقدان المياه والهدر — عوامل تضاعف الأزمة
أحد أبرز المتحديات التي تواجه طهران هو فقدان المياه داخل الشبكات، حيث بلغت نسبة الهدر نحو 22.16٪ بحسب تصريحات مسؤولي “أبفا”. وقد أشار أردكاني إلى أن جزءا من هذا الهدر يعزى إلى أخطاء القياس والاستخدام غير المشروع.
ولم تستطع الإجراءات التقشفية وحدها كبح النزيف؛ فقد أعلن المسؤولون أنهم نجحوا في الأشهر الستة الأولى من العام في خفض هدر المياه بما مقداره 12 مليون متر مكعب وتقليل التدفق داخل الشبكة بمعدل 66 مليون متر مكعب. ومع ذلك، فإن هذه الجهود تعد حلولا مؤقتة في ظل الأزمة الممتدة.
الاستهلاك البشري تحت المراقبة — دعوة للتغيير الجذري
في ظل هذه الظروف، دعا مسؤولو المياه بـ طهران السكان إلى خفض استهلاكهم اليومي من 240 لترا إلى 130 لترا للفرد، كشرط أساسي لتجنب الانهيار الكامل للشبكة.
كما أشار أردكاني إلى أن الطاقة الإنتاجية الحالية لمياه الصرف الصحي تبلغ نحو 550 مليون متر مكعب سنويا، مع خطط لرفعها إلى 960 مليون متر مكعب ضمن خطة التنمية السابعة، لاستخدامها في الزراعة والصناعة كجزء من استراتيجية تخفيف الضغط على مياه الشرب.
وأكد أن إدارة الاستهلاك باتت المحور المركزي في التعامل مع الأزمة، محذرا من أن التوسع السكاني المتواصل وانخفاض هطول الأمطار قد يدفع الطهرانيين إلى مرحلة من النقص المائي المزمن يصعب عكسها.
خلفية وأبعاد الأزمة
الجفاف في طهران ليس معزولا؛ فقد شهدت إيران عموما انخفاضا مستمرا في هطول الأمطار، وتراجعا حادا في مخزون السدود خلال السنوات الأخيرة.
السلطات أجبرت على إيقاف ضخ المياه إلى أحواض السباحة العامة في طهران كإجراء لتوفير المياه في وقت الأزمات.
في بعض المناطق، اتخذت إجراءات قطع المياه لمدة 12 ساعة للمستهلكين المكثفين الذين يتجاهلون التحذيرات الرسمية.
تتزامن الأزمة مع موجات حر قصوى تجاوزت 40 درجة مئوية، مما زاد الطلب على المياه واستهلاك الكهرباء، في حين تعد طهران من أكثر عواصم العالم تأثرا بالجفاف.
أيضا، هناك تحذيرات من هبوط الأراضي (الاستقرار الأرضي) بسبب سحب المياه الجوفية المكثف، وهي ظاهرة تهدد البنية التحتية للعاصمة.
ماذا ينتظر طهران؟
السيناريو الأسوأ في هذه الأزمة هو ما يعرف بـ “يوم الصفر” — اليوم الذي ينفد فيه الماء من الشبكة في مناطق واسعة من العاصمة، ما يؤدي إلى توقف الحياة الطبيعية في الأحياء المتضررة. بعض المسؤولين حذروا من أن طهران قد تصل إلى هذا الوضع في غضون أشهر إذا استمر الاستهلاك غير المنضبط والتراجع في المصادر المائية.
وفي المقابل، يرى خبراء أن الأزمة ليست طبيعية فقط، بل إلى حد كبير مصطنعة، بفعل سوء التخطيط، الإدارة الضعيفة، نقل الموارد إلى مشاريع أخرى، وغياب الرقابة.
لهذا، يقول بعضهم إن الحل لا يكمن فقط في التنبيه للمواطنين، بل في إصلاح شامل لسياسات المياه: تحديث الشبكات، ترشيد الزراعة، استخدام تقنيات التقطير وإعادة الاستخدام، وآليات مراقبة حقيقية.
طهران اليوم تواجه اختبارا وجوديا: إما تدار الأزمة بكامل الشفافية والتخطيط المستدام، أو تترك لعواقب كارثية تفوق فقط فقدان بعض القطاعات للخدمات. في هذه اللحظة الحرجة، لا تكفي التحذيرات، بل مطلوب إرادة سياسية حقيقية وخطة شاملة تنقذ العاصمة من العطش.










