أعلنت وحدة “كابسات” العسكرية الخاصة في مدغشقر، الثلاثاء، استيلاءها رسميا على السلطة، في تطور دراماتيكي يدخل البلاد في مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي، بعد أسابيع من احتجاجات شعبية حاشدة وموجة انشقاقات داخل صفوف الجيش.
وأكد العقيد مايكل راندريانيرينا، قائد الوحدة، في مؤتمر صحفي بالعاصمة أنتاناناريفو، أن “الوضع في البلاد لم يعد يحتمل”، مضيفا: “لا يوجد رئيس، لا توجد حكومة… لا شيء يعمل هنا. كان علينا التحرك.”
خطة انتقالية وانتخابات مرتقبة
وأوضح العقيد راندريانيرينا أن السلطة ستدار مؤقتا من قبل لجنة انتقالية تتألف من ضباط في الجيش والدرك والشرطة، إلى جانب مستشارين مدنيين كبار. كما أشار إلى أنه سيتم تشكيل حكومة مدنية خلال الأيام المقبلة، تمهيدا لتنظيم انتخابات عامة خلال 18 إلى 24 شهرا
وقال راندريانيرينا.”سنجري انتخابات بالتأكيد. نحن نسعى إلى توافق وطني”.
وأكد أن الشباب من “جيل زد” الذين قادوا الاحتجاجات ضد الرئيس المخلوع أندريه راجولينا، سيكون لهم دور فاعل في المرحلة القادمة، معتبرا أن “الحركة نشأت من الشارع ويجب احترام مطالبها”.
الجمعية الوطنية تطيح بالرئيس
تزامن إعلان “كابسات” مع تصويت 130 نائبا من أصل 163 في الجمعية الوطنية، لصالح عزل راجولينا، في خطوة مثلت الشرارة الأخيرة للانقلاب. وكان الرئيس قد حاول استباق الأحداث عبر حل البرلمان صباح الثلاثاء، إلا أن خطوته باءت بالفشل وسط إجماع واسع داخل البرلمان على الإقالة.
في المقابل، وصف راجولينا ما جرى بأنه “اجتماع يفتقر لأي أساس قانوني”، ورفض الاعتراف بإقالته في خطاب مسجل بثه مساء الاثنين من مكان غير معلوم، قائلا إنه اضطر للاختباء لحماية حياته.
أنباء عن فرار راجولينا
أفادت مصادر معارضة وعسكرية ودبلوماسية لوكالة “رويترز” أن راجولينا فر من البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية يوم الأحد. ولم تؤكد باريس ذلك رسميا، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا في تصريح الثلاثاء إلى “الحفاظ على النظام الدستوري”، محذرا من استغلال مطالب الشباب من قبل الفصائل العسكرية.
انقلاب داخل الانقلاب: “كابسات” تغير مواقفها
المفارقة أن وحدة “كابسات” التي تقود اليوم التغيير، كانت ذاتها قد دعمت راجولينا في انقلابه على الرئيس السابق مارك رافالومانانا عام 2009. لكنها انقلبت عليه هذه المرة، بعد انضمامها رسميا للاحتجاجات السبت الماضي، في مشهد أعاد تشكيل موازين القوى داخل المؤسسة العسكرية.
وفي خطوة تؤكد التحول الكبير، تم تنصيب الجنرال ديموستيني بيكولاس رئيسا جديدا لأركان الجيش، بعد اختياره من قبل “كابسات”، خلال مراسم حضرها وزير القوات المسلحة، الذي صرح:
“أمنحه مباركتي.”
من أزمة خدمية إلى انتفاضة سياسية
بدأت الأزمة في مدغشقر في أواخر سبتمبر، باحتجاجات متفرقة بسبب نقص المياه والكهرباء، لكنها تحولت سريعا إلى انتفاضة وطنية شاملة، تطالب بوضع حد للفساد، وسوء الإدارة، وتدهور الخدمات الأساسية.
ويقول محللون إن جيل الشباب الملغاشي يحاكي في مطالبه حركات احتجاجية مشابهة في دول مثل كينيا والمغرب ونيبال، مما يعكس تحولا في وعي الأجيال الجديدة تجاه الحكومات القائمة.
ماذا بعد؟
بينما يترقب الشارع الملغاشي خطوات اللجنة العسكرية الانتقالية، تراقب المجتمع الدولي الوضع عن كثب، وسط دعوات لانتقال سلمي ومنظم للسلطة، وضمان إشراك المدنيين والشباب في رسم مستقبل البلاد.
ورغم أن “كابسات” تعهدت بتشكيل حكومة مدنية وإجراء انتخابات، إلا أن مستقبل مدغشقر سيعتمد على مدى التزام القيادة العسكرية بوعودها، وتفاعل الشارع مع المرحلة الانتقالية.










